نحن أمام مصطفى حجازي آخر. حجازي المسؤول في السلطة الانتقالية اليوم غير حجازي أستاذ العلوم السياسية قبل 3 يوليو عندما كان ضيفا شبه دائم مع محمود سعد على قناة "النهار" ليتحدث ويشرح آراءه في أداء مرسي وجماعة الإخوان والأوضاع في البلاد. عندما كان يتكلم بلسان الأكاديمي كان رصينا ومعقولا وكانت تحليلاته وانتقاداته مفهومة في إطار أنه يفند السلبيات ويقيم الأداء بمسطرة علم السياسة وأيضا لكونه مخالفا للإخوان في الموقف والتوجه. اليوم يفقد رصانته ويخرج عن المعقولية لأنه صار طرفا في السلطة له مصلحة فيها وفي تبرير سلوكها حيث نجد مواقفه تتسم بحدة شديدة وفيها أحكام قطعية عدائية تجاه الخصم الذي كان في الحكم أمس وهو مالا يتناسب مع مرونة ودبلوماسية المسؤول في فترة قلقة وخطرة تحتاج للتجميع وليس للتفريق ومد الأيادي وليس قطعها. يحاول حجازي أن يبدو صقرا لذلك تصل مواقفه لدرجة التشدد السياسي ضد الإخوان الذين يعتبرهم أعداء، رافضا أن يكون توصيف الوضع الحالي هو خلاف أو اختلاف سياسي معهم مؤسسا حكمه على أنهم يمارسون العنف والإرهاب، وهو يربط بين تجربة الإسلاميين في مصر والجزائر بشكل شديد التعسف والعودة لاستثمار فكرة الفزاعة لتخويف الغرب موجها رسائله المفخخة إليه كما جاء في حديثه الأخير لجريدة " الديلي تليجراف " البريطانية، كما يقطع بألا مصالحة معهم عكس التوجه المفترض للرئاسة والحكومة وخريطة المستقبل بشأن المصالحة الوطنية، وهو ينصحهم باعتزال العمل السياسي ويحذر من مشاركتهم في الحياة السياسية بل ويصف معظم قياداتهم بأنهم متطرفون للغاية. يقول ذلك وهو مسؤول معين يعمل مستشارا لرئيس معين في سلطة كلها معينة وليست منتخبة، ويقول ذلك رغم عدم وجود أحكام قطعية صادرة من القضاء أو من برلمان منتخب بمسؤوليتهم عن الإرهاب ومستوى تورطهم فيه، ولا مشكلة عندي أن يكون الإخوان هم الشيطان الرجيم ، وهم من يمارسون الإرهاب ، وهم الخطر على الأمن القومي وضرورة استئصالهم سياسيا، لكن نود من سلطتنا الانتقالية أن تكون عالية الشفافة والصراحة والوضوح في هذه القضية حتى نثق ونصدق ما يقال لأنها اتهامات كارثية لجماعة كانت قبل أسابيع هي السلطة الحاكمة بموافقة المؤسسة العسكرية وبانتخابات أجريت تحت إشراف تلك المؤسسة، لكن السلطة لا تقول شيئا إنما تترك الإعلام هو من يتهم ويحقق ويحكم وينفذ العقوبة أيضا دون أن نسمع صوت المتهم ولا دفاعه حتى لو كان إرهابيا عتيدا. هل يمكن الوثوق في الاتهامات في ظل غيبة الطرف الآخر تماما وهل يمكن الاطمئنان إلى التهمة الثابتة للجميع ولكل من يراد جلبه للنيابة وهي التحريض على العنف وهي تهمة مطاطة ومرنة وتتسع لإلصاقها بأي شخص حتى مصطفى حجازي نفسه لو حصل وغضبت عليه السلطة يوما يمكن أن يناله منها نصيب ، ألم يُتهم محمد البرادعي بأشد من ذلك وهو العمالة والخيانة العظمى ويحاكم الآن؟!. على الجانب الآخر فإن إغراء السلطة والبقاء فيها والبناء للمستقبل للارتقاء من المستشارية إلى الوزارة وربما ما هو أكبر قد يكون الدافع لحجازي لما قاله للصحيفة البريطانية من أن السيسي هو أيزنهاور مصر، وإن عدم ظهور شخص بالمواصفات التي تتطلبها القيادة بحلول موعد انتخابات الرئاسة المقبلة ربما يدفع السيسي إلى خوض الانتخابات بعد أن تحول إلى رمز للمصريين. نعم شعبية الفريق أول السيسي واسعة، وليكن رئيسا طالما سيتم ذلك وفق انتخابات حرة ليس بمعنى حرية التصويت فقط في اللجان إنما الحرية بمعناها الأشمل أي تتاح فرص متكافئة لكل المرشحين منذ تقديم الأوراق كما حصل في الانتخابات الأولى بعد ثورة يناير، وتلتزم أجهزة الدولة بالحياد الصارم ،ويكون الإعلام متوازنا، وتتاح الحرية لكل مرشح في أن يقول ما يشاء ويتحرك كيفما يشاء ليشعر الناخب أنه أمام مرشحين متساوين ليختار من يريده منهم وإذا تم ذلك فسيكون لمصلحة السيسي لو فاز لأنه سيكون فوزا في انتخابات تنافسية حقيقية وليس في استفتاء أخذ شكل انتخابات والمنافسون مجرد ديكور لتزيين المشهد. حجازي أستاذ العلوم السياسية يحتاج لتنشيط ذاكرته بشأن الانتخابات الأمريكية ذلك أن أيزنهاور لم يخلع زيه العسكري ويترشح ويفوز بل سبق ذلك انضمامه للحزب الجمهوري وخوضه انتخابات داخلية للحزب أمام منافسين منهم السناتور روبرت أ. تافت لينال ثقة أعضاء الحزب أولا لتأتي بعد ذلك المرحلة التالية وهو خوضه المنافسة العامة أمام مرشح الحزب الديمقراطي أدلاي ستفنسون، ولعل رد الدكتور محمد نور فرحات على ما قاله حجازي فيه تنبيه له وتصحيح لمعلوماته ليثبت فرحات أنه ليس فقيها قانونيا فقط إنما فقيه سياسي أيضا. الديمقراطية في أمريكا قوية وراسخة وهناك وعي سياسي عام لدى الناخبين، وهم لا يحتاجون لمن يوجههم لاختيار الأنسب أو من يؤثر عليهم بمنافع وسلع، وليس هناك أجهزة منحازة بعكس مصر حيث لا توجد ديمقراطية من الأصل والوعي ليس بالمستوى الكافي لحسن الاختيار والتأثيرات هائلة في العملية كلها وبالتالي من العادي أن يترشح قائد عسكري مثل أيزنهاور في أمريكا وديجول في فرنسا ويكون فوزه مقبولا لأنه لن يعسكر الدولة وسيحكم وفق دستور ديمقراطي يفصل بين السلطات وسيكون مُراقبا طوال الوقت من برلمان وهيئات منتخبة عتيدة وقوية ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام مستقلة وجماعات ضغط وفوق الجميع شعب يقف له بالمرصاد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.