وقعت المجزرة التي حذرت منها في كبسولات الجمعة الماضية، وطلبت من الله العلي القدير، أن يخيب ظني، وألا تقع مجزرة تزهق فيها أرواح المصريين، وتسيل فيها دماء المصريين، ويزاد عويل الأمهات الثكالى في مصر، وصراخ الأبناء والبنات والزوجات على ذويهم المقتولين، ويحمَّر "أسفلت الطريق" دماءً، وتجأر الأرواح إلى بارئها صارخة بصوت الدماء: يا رب اسأل من قتلنا لِمَ قتلنا؟! يبدو أن الله تعالى لا يحبني، وليس لي عنده خاطر، فخاب ظني، وانقطع أملي في أن تمر "جمعة التفويض" وتوابعها بسلام، فوقعت "مجزرة المنصة"، كما وقعت "مجزرة الحرس"، وزادت أعداد القتلى والمصابين والمجروحين، والمكلومين، عن سابقتها، في سابقة خطيرة، لم تحدث في مصر من قبل، حتى من قبل الاحتلال البريطاني أو الفرنسي أو غيرهما.. عند متابعتي لأحداث القائد إبراهيم في الإسكندرية ومقتل خمسة وإصابة أكثر من خمسين شخصًا وبعض الاشتباكات الطفيفة في القاهرة بين "مع وضد"، توجع قلبي، ودمعت عيني، وقلت لو وقفت الأمور عند هذا الحد، فالحمد لله مرت الجمعة بسلام، وما كدت أبلع ألمي حتى انبلج فجر السبت بمجزرة جديدة دامية حامية، مثل ما حدث أمام المنصة، فقد جفت دموعي وكدت والله أكسر قلمي وأرمي بمحبرتي في الفضاء الفسيح خجلاً منهما ومن نفسي! لن تكون نتيجة المذبحة أن يقابل أبناء الشعب المكلوم الحكومة الجديدة ولا العهد الجديد بالأحضان والسلام والتحية والإكرام!! النتيجة المتوقعة - كردة فعل للعنف - مزيد من الكره للحكومة الجديدة، التي بدأت عهدها بدم أحمر، في عنف يراه الكثير من المراقبين أنه بُيّتَ له بليل، ودُبّر له بخفاء، وأُعلِن عنه على الملأ، وطُلب من الشعب تفويض، لتنفيذه وعدم المساءلة عليه لاحقًا، ويرى المراقبون أنها بدعة جديدة لم تشهدها بلد له تاريخه وحضارته مثل مصر، يؤيد ذلك الدعوة للاحتشاد الذي شاركت فيه الحكومة بقيادة رئيس وزرائها وباركه الرجل بالنزول للميدان، واعتبره تفويضًا للحرب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد.. واستقوى مسئول الأمن الأول، بأمنه وهو أنه سيلجأ لقوات "الكوماندوز" للقبض على قيادات "رابعة العدوية"، وكأننا في حرب مع إسرائيل عدونا اللدود، أو التي كانت ذات يوم عدونا اللدود! هل كان الهدف الأكبر من الاحتشاد في "جمعة التفويض" هو المزيد من العنف والقتل وسفك الدماء المصرية، بصب البنزين على النار، ونحن نزعم أننا نسعى للمصالحة الوطنية، التي يترجم الواقع عكس الدعوة لها، وتشهد الدماء على ذلك.. الاحتشاد لم يكن حربًا على الإرهاب، بل كان تنفيذًا لسياسة الإقصاء المتعمد لبعض أبناء الشعب - ولو بالقوة الغاشمة - مع أن الجميع أمَّل في العهد خيرًا، وأن تبدأ الحكومة من حيث انتهى الآخرون في المصالحة الحقيقية والعمل على دفع مسيرة التنمية، وأن تضع لبنة خير في المجتمع.. إلى كل من فرح في سفك دماء أبناء شعبه: إن الله تعالى سيحاسبك غدًا عن فرحك بالدماء البريئة، التي حرمها الله في كل زمان ومكان، وتحت أي ذريعة. إن فرحك يعني رضاك بما حدث، ورضاك بما حدث يعني مشاركتك في الإثم، وقد قال رسول الإنسانية جمعاء صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم"، وقوله: "من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة أتى يوم القيامة مكتوب على وجهه آيس من رحمة الله". ((أي أعان القاتل بنصف كلمة، أي قال له "اق" ولم يكمل كلمة "اقتل")) إلى كل من يضحك الآن سرورًا، ويعتبر أن هذا نصرًا للحكومة على الإرهاب: أنت مخطئ، أيها الضاحك، أو أيها الشامت.. فما حدث هو الإرهاب نفسه وعينه وذاته، ولا تفسير له غير ذلك.. ولو قتل ابنك أو أبوك أو أخوك أو قريبك، لنطق لسانك بالحق، واستبدلت فرحك بحزن وضحكاتك المقهقهة بصرخات مدوية مؤلمة موجعة! إن نظرة في عيون الأيتام واليتيمات من أبناء القتلى وأمهاتهن، ستجعلك تلعن كل عنف وتدعو على من دعا إليه وشارك فيه، وساهم في تنفيذه بكل حرقة قلبك في كل شروق شمس وغروبها، سيما وأنت صائم لله في شهر رمضان المبارك الكريم. إني أكاد أسمع حزن ملائكة الله في سمواته العلا، على المسلمين وهم يقتلون في شهر رمضان الكريم وفي أيامه الوسطى أيام المغفرة، وهي التي توقعت من بني البشر مثل هذه الأفعال في الأرض قبل أن يخلق الله آدم أبا البشر، فقالت لله تعالى: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"؟! إلى المسلمين الشامتين في القتلى، وإلى الأزهر الساكت عن الدماء، وإلى الكنيسة الصامتة عن الدماء، وإلى الأحرار الصامتين والغاضين الطرف عما حدث ويحدث في أبناء الشعب: ستتحملون وزر هذه الدماء بسكوتكم وصمتكم، وغض بصركم وبلع ألسنتكم عن توضيح الحق، والصدع به، وأبشروا بالحشر مع "الشياطين الخرس" الذين رضوا بأن يكونوا من صنف الساكتين عن الحق، لا الناصرين للحق، القائمين بالحق، القائلين بالحق، لو كان مرًا. إلى هنا.. "ويضيق صدري ولا ينطلق لساني"، ولا أجد ما أعزي به أمهات وذوي القتلى والمصابين والجرحى بدقيقة حداد ولا ساعات الدنيا كلها حدادًا، بعد ما حدث، ولا أجد إلا قولي: يا أمهات القتلى.. لَكُنّ الله!! ويا أمهات المصابات.. لَكُنّ الله!! ويا أيها المكلومين والمجروحين والحزانى على من مات ومن فات لكم ولَكُنّ الله!! ويا أيها "الأسفلت" الذي أجبروك على شرب الدماء المصرية الصائمة، رغمًا عنك، وأنت صائم وفي شهر رمضان، لك الله!! ويا حكومة مصر الجديدة، منك لله!! دمتم بحب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.