الجماعة الإسلامية والطريق الثانى لعل من أكثر مواطن الموقف السياسي غموضًا في مصر، هو موقف الجماعة الإسلامية من الواقع المصري، ومن يتابع الخط الفكري للجماعة يجد أن ثمة حلقة مفقودة في الأداء السياسي تؤدي بالمتابع في بعض الأحيان إلى الاستغراب والتساؤل حول مدى مناسبة بعض المواقف الصادرة عن الجماعة لخطها الفكري الذي تتبناه منذ فترة، وموطن الاستغراب وبكل صراحة هو اختلاف مستوى المراجعات الفكري العميق وما تورثه في الفكر السياسي من نظرات محلقة واجتهادات مدروسة وتباينها عن المواقف السياسية التي صدرت عن الجماعة بمعنى أنه لا يمكن لقيادة صدرت عنها تلكم المراجعات الجادة بكل ما جاء فيها من عمق فكري ودراسة مقاصدية ونضج سياسي وتضلع بمعارف الشريعة وأحكامها أن تتخذ مواقف سياسية يغيب عنها النظر المصلحي أو المقاصدي اتساقًا مع روح المراجعات الفكرية، ومن يتابع التصريحات السياسية ثم يقرأ المراجعات يلمس هذا الفارق بكل وضوح وأنا لا أريد هنا أن أبحث عن أسباب ذلك التباين أو الاختلاف وإنما أذكر فقط ببعض المبادئ أو القيم التي صبغت بها المراجعات ويصعب معها تقبل المواقف السياسية ومنها على سبيل المثال: 1. عدم اعتبار أي معركة تخوضها الحركات الإسلامية معركة الأمة المصيرية وإنما هي جولة من جولات الصراع الذي لا ينتهي. 2. أن الإخفاق السياسي في تجربة لا يمثل إخفاقًا للإسلام ولا حتى للمشروع الإسلامي. 3. أن الحركة الإسلامية باعتبارها حديثة عهد بإدارة الدولة قد تتنكب الطريق أو تخطئه في تجربة أو تجارب ومن ثم فلا يعتبر ذلك نهاية المطاف أو هزيمة للإسلام بل يجب تقويم المسيرة وتكرار هذه التجارب إلى أن تصل إلى حد الرشد. 4. أن الاختلاف السياسي لا يمكن إحالته إلى التنازع الديني أو الأيديولوجي لأنه سيكون من باب مقابلة القطعي بالظني أو الثابت بالمختلف فيه وهذا لا يعقل ولا يجوز. 5. أن حركة الإسلام بالأساس هي حركة دعوية اجتماعية والمجال السياسي (وليست الحاكمية) خادم لهذه الحركة بل إن شرعية دخول المجال السياسي أصلًا مع ما فيه من محاذير يعود بالأساس إلى تحقيق مصالح المجالين الدعوي والاجتماعي أو تخفيف ما فيهما من مفاسد. 6. أن رفقاء الوطن حتى وإن كنا نختلف معهم فإنهم مواطنون لهم ما لنا ومن حقهم التعايش السلمي معنا وأن نحاول التوصل معهم إلى حلول سياسية طيلة الوقت وجعل الباب مواربًا بعيدًا عن خطاب العداء بما فيه من شحن عقدي ونفسي وتقسيم الناس فإنه يصنع في الوطن قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة سانحة أو موقف مهيج، إلى غير ذلك من المسلمات الفكرية التي لا تغيب عن فكر صدرت عنه مراجعات قيمة ورصينة. لقد كنا نتمنى من الجماعة الإسلامية وقادتها بدل أن تسوق أبناءها إلى محرقة أخرى في الشوارع والميادين كالتي دفعوا إليها من قبل على اعتبار أن ما يحدث الآن هو معركة الإسلام المصيرية التي إن لم يرجع الرئيس فيها إلى الكرسي قضي على الإسلام وماتت الدعوة، أن تسلك طريقًا ثانيًا وأن تقدم طرحًا حضاريًا محلقًا وسطيًا يستوعب التجارب المثيلة ويحقق المقاصد العظمى للحركة الإسلامية أكثر من اتخاذ موقف سياسي بعينه تشم فيه رائحة الشهامة أكثر من المصلحة الشرعية أو الكلية. ويعتمد أيضًا هذا الطرح على أن الحركة الإسلامية ضاربة في جذور الشعب المصري ولا يمكن القضاء عليها بانقلاب ولا غيره فكم من انقلاب حدث في تركيا والجزائر، فهل قضي على الإسلام هناك أو ماتت الدعوة؟ وإن عجلة الزمن لا يمكن أن ترجع إلى الوراء وأن أكثر المستفيدين من أجواء الحرية هم الإسلاميون لا سيما في الدعوة والفكر وأنه يجب عدم ضياع الوقت والبدء فورًا في تقويم التجربة واستيعاب دروسها والنظر في كيفية العودة من جديد كما عادت الحركة الاسلامية في تركيا مرة أخرى قوية فتية واستثمار الممكن وتحقيق أكبر المكاسب، فليس كل معركة يدخلها المسلمون يخرجون منها رابحين فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا كما حدث مع المسلمين يوم الحديبية. ألم يكن من حق النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر هو وأصحابه؟ ألم تكن شروط الصلح غير مرضية للصحابة واعتبرها بعضهم دنية في الدين؟ فماذا حدث بعد ذلك؟ كانت الحديبية أعظم فتح للإسلام مع ما في ظاهرها من ضعف وصغار. كنا نتمنى من الجماعة أن تقدم مبادرة حضارية تتكون من النقاط الآتية: 1. وقف نزيف الدم المرشح للمزيد والبيانات المحرضة له 2. المشاركة في جهود المصالحة الوطنية فإنها الخيار الوحيد لإنقاذ مصر من التفكك والتحارب. 3. استثمار الممكن المتاح من أجواء الحرية في العودة إلى العمل الاجتماعي والخيري بقوة. 4. الاهتمام بانتخابات البلديات والمحليات فإنها الطريق الذي أعاد الإسلاميين مرة أخرى إلى الحكم في تركيا. 5. الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة التي إن نجح الإسلاميون فيها سيعودون أقوى مما كانوا.