على هامش حضورنا لوقائع الملتقى الإعلامي العربي الذي انعقد بالكويت هذا الأسبوع دعانا السفير المصري بالكويت طاهر فرحات إلى لقاء على الغداء في دار السفارة ، كنا حوالي ثمانية صحفيين من جهات متباينة حكومة ومعارضة ومستقلين ، كان الرجل في غاية اللطف والتواضع وهو يحاور الجميع ويحرص على إجابة الأسئلة بهدوء الديبلوماسي المحنك بغض النظر عن كونها من صحفي حكومي مثل مجدي الدقاق أو معارض مثل الدكتور أسامة الغزالي حرب أو خاص مثل خالد صلاح أو مني ، وكان هناك سؤال محوري جامع صدر عن الجميع بلا استثناء ، وهو قرار ترحيل عدد من المصريين العاملين في الكويت من المؤيدين للدكتور محمد البرادعي ، وهل تدخلت السفارة في الأمر بأي صورة ، أكد السفير المصري مرارا أن السفارة لا دخل لها في القرار الكويتي من قريب أو بعيد ، وأنها استشعرت الحرج بعد صدوره ، والأعراف الديبلوماسية تمنعها من مراجعته أو التدخل في شأنه باعتباره جزءا من إجراءات السيادة الكويتية على أرضها ووفق قوانينها ، الإجابة رغم وجاهتها إلا أنها لم تشف صدور الحاضرين ، حتى أن مجدي الدقاق الذي علق باستنكار على كلامي عندما قلت بأنه ما زال بالإمكان تدخل الحكومة المصرية لتسوية أوضاع هؤلاء المبعدين ولو من جانب إنساني ، وحاول "فلسلفة" رفض الفكرة بكونها ستمثل إدانة للحكومة لو تدخلت ويصمها بأنها كانت سببا في القرار من بدايته ، إلا أنه بعد ذلك لم يستطع المكابرة وأكد على أن تدخل الحكومة ما زال مهما لأن رد الفعل الكويتي كان مبالغا فيه ، خرجنا ولم يكن أحد مقتنعا بالصورة التي قدمها السفير المصري رغم الارتياح الذي بدا على الجميع من إدارة الرجل للحوار بشكل راقي وحميمي ، وأمس كان وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتي محمد العفاسي يواجه في القاهرة هذه المرة نفس الأسئلة ، ويحاول أن يكرر نفس الإجابات ، بأن القانون الكويتي لا يفرق بين هذا أو ذاك ، وأن الجالية المصرية تقابل بترحاب استثنائي في الكويت دونا عن باقي الجاليات ، ولكن من أخطأ لا بد من أن يحاسب ، والحقيقة أن وضع الجالية المصرية في الكويت هو بالفعل وضع استثنائي ، وفي الكويت حوالي مائة وثلاثون جالية ، تمثل الجالية المصرية من بينهم الأكثر عددا والأكثر ودا واستقرار في الكويت كوطن ثاني حقيقي ، والأكثر موثوقية عند السلطات الكويتية ، بل إن هناك بعض الخلفيات في صورة قضايا ومشكلات المصريين في الكويت غير معلنة تزيد من تأكيد هذه المعاني كلها ، ولعله لذلك كانت الكويت أول دولة عربية تشهد هذا الانفعال التلقائي بين بعض المصريين للتعاطي مع الشأن العام المصري وتأييد الدكتور البرادعي وكأنهم في بلدهم ، وقد كان هذا أدعى لافتخار المصريين جميعا حكومة وشعبا ، بدلا من الترحيب بالتنكيل بهم ، لأن معظم هؤلاء إنما خرجوا إلى هناك من أجل البحث عن "أكل العيش" وقوت أولادهم ، فكونهم رغم هذه المعانة من أجل لقمة العيش لا ينسون "الهم العام" في بلادهم ويشاركون في البحث عن مستقبل أفضل لها ، فهذا نبل ومدعاة للفخر بكل تأكيد ، ولا أحد يمكنه الاعتراض على حق الحكومة الكويتية في أن تبسط قانونها على الجميع وأن تعاقب أي مخالف للقواعد والقوانين المنظمة للحياة هناك ، ولكن بنفس هذه الثقة أؤكد أنه لا يوجد أحد لا في الكويت ولا في مصر يقتنع بأن مستوى رد الفعل والعقوبة التي وجهت إلى هؤلاء المبعدين كانت تتساوى مع "الخطأ" النظامي الذي فعلوه ، كما كان من الممكن أن يتم استدعاء بعضهم من قبل والتنبيه عليهم بالتوقف عن هذه الممارسات لأنها مخالفة للقانون أو أنها محرجة للكويت أمام الحكومة المصرية مثلا ، كما أن هؤلاء المبعدين لم يتمكنوا من اللجوء إلى "القانون" هناك أساسا ، أو يتاح لهم التحاكم أمام القضاء الكويتي ، وقد صرح أكثر من خبير قانوني كويتي بأن قرار الإبعاد لهم غير دستوري وغير قانوني ، كانت سرعة قرار الإبعاد وعنفه من القسوة بما يصعب على أي إنسان ، هنا أو هناك ، أن يتفهمه . [email protected]