أثبت التاريخ - قديمه وحديثه - أن أسوأ أنواع الحروب وأشدها فتكاً وضراوة هي التي تعتمد الدين سبباً لقيامها واستمرارها، ذلك أن المتقاتلين لا يضعون في اعتبارهم إلا هدف إرضاء ربهم، فإذا كان هذا الهدف هو قتل الخصوم والتنكيل بهم، فليكن ذلك تحقيقًا لرغبة الرب مهما كانت التضحيات!! وقد مر العالم بعدد من هذه الحروب تركت أثارًا مدمرة عليه ولمئات السنين، فقد حارب المسيحيون بعضهم بعضًا ولعشرات السنين، وكانت هذه الحروب بين طائفتي الكاثوليك والبروتستانت وقتل مئات الآلاف من الطرفين، كما نشأت حروب متعددة بين المسيحيين والمسلمين كان أشهرها الحروب الصليبية التي استمرت حوالي مائتي عام وكان يقودها رجال الدين لفترات طويلة، وفي عصرنا شهدنا حرباً جمعت بين الدين والطائفية على غرار ما حدث في لبنان والسودان ومات في هذه الحرب مئات الآلاف. ونشهد حاليا بوادر حرب طائفية بدأت تعصف ببعض البلاد العربية، واستخدام الدين ليس بعيدًا عن هذه الحرب، بل يكاد أن يقوم عليه في الظاهر، وإن كانت السياسة في الغالب هي التي تحرك هذه الحروب، فيستفيد منها نخبة من القوم على حساب دماء الآلاف من الضحايا الذين حركتهم العاطفة الدينية دون أن يعلموا الأهداف الحقيقية لهذه الحروب. الحرب في سوريا أشعلت نار الحرب الطائفية بشكل غير مسبوق، خاصة بعد تدخل حزب الله فيها، والسبب أن هذا الحزب كان له مكانة كبيرة في نفوس الكثيرين من أهل السنة ولم يكن متوقعا منه أن يقاتل إلى جانب الظالم، فلما فعل ذلك وشاركته مجموعة من الطوائف الشيعية في العراق والخليج واليمن، اتضح للجميع أن الاصطفاف الطائفي هو الذي دفع هذه المجاميع للحرب ضد السنة في سوريا، وليس البحث عن الحق والوقوف في وجه الظالم وردعه عن الظلم. من الصعب التفريق بين الحرب الدينية والحرب الطائفية، فهما تلتقيان في كراهية كل طائفة للأخرى بدافع ديني - خاصة عند عامة الناس - وهذه الكراهية هي التي تدفع كل طائفة لكراهية الطائفة الأخرى دون الشعور بالذنب أو حتى تأنيب الضمير، فالشعارات التي يرفعها الشيعة الذين تجمعوا من أماكن كثيرة هي "يا لثارات الحسين" و"لبيك يا حسين"، ولست أدري ما علاقة الثوار السوريين الذين قاموا مثل غيرهم يبحثون عن حريتهم بمقتل الإمام الحسين - رضي الله عنه؟ ولست أدري لماذا تقتل الشيعة في سوريا إخوانهم السنة انتقاما للحسين؟ وهل طلب الحسين منهم ذلك فلبوا دعوته؟! ومع أنني أعتقد أن عامة الشيعة يعرفون أن السنة يحبون الحسين وأهل البيت عموما، إلا أن الأجواء التي يوضعون فيها تجعلهم ينسون كل ذلك ويتخذون من السنة أعداء لهم ويعتقدون أنهم يستحقون القتل، وفي الجانب الآخر يجري الاصطفاف نفسه، لاسيما أن هذا الجانب يعرف حجم الظلم الذي مارسه بشار الأسد وقبله والده على السوريين، كما يعرفون أيضا أن شعار المقاومة الذي يرفعه بشار لا قيمة له وهو كذبة كبرى يؤكدها الواقع، كما يرى هؤلاء كيف أن بشار يقتل السوريين بكل أنواع الأسلحة وبدون تفريق بين مقاتل وغير مقاتل، ولا بين كبير وصغير، أو رجل وامرأة، كما أنه يقوم بهدم المدن على رءوس أصحابها إلى غير ذلك من الجرائم غير المسبوقة في التاريخ، ويعجب هؤلاء من اصطفاف الطرف الآخر مع هذا المجرم ولا يجدون غير السبب الطائفي دافعا لهم لارتكاب كل تلك الجرائم المنكرة، ولهذا كانت ردة فعلهم عنيفة ليس في سوريا وحدها، بل أعتقد أنها ستمتد إلى كل بلد يعيش فيه سنة وشيعة. من مصلحة أعداء المسلمين أن يفرقوا بين السنة والشيعة، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين، وقد عملوا من أجل ذلك كثيرا واستخدموا كل الأساليب التي توصلهم إلى أهدافهم، وقد وجدنا أثار ذلك في السودان، حيث تم تقسيمها إلى دولتين: مسلمة ومسيحية، ورأيناه في المحاولات الكثيرة لإثارة الحرب الدينية في مصر بين الأقباط والمسلمين، وفي لبنان حيث استمرت الحرب الأهلية هناك حوالي العقدين بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين، ولم يستفد من هذه الحروب إلا اليهود، وهكذا رأينا هذه الحرب القذرة تتكرر في العراق واليمن، ولهذا أصبح الفرز الطائفي شديد الوضوح. ما يجري في سوريا يستفيد منه الصهاينة ومن على شاكلتهم، وهم وراء إطالة أمد الحرب هناك، ودخول حزب الله في هذه الحرب حقق مصالح الصهاينة ولم يحقق شيئا لحزب الله، بل أبعده كثيرا عن القاعدة الشعبية التي كان يحتلها ووضعه في خانة أعداء السنة في كل مكان في العالم. الحرب الطائفية أطلت بوجهها الكالح على عالمنا العربي، وتركت أثارا مدمرة عليه، وأعتقد أن هذه الأثار ستبقى زمنا طويلا، لأنها تتغذى على الدين والدفاع عنه بالمال والنفس، وهذا من أقوى دوافع الاختلاف وإطالة أمد الحروب، وما لم يتدارك العقلاء من كل الطوائف هذه الأثار، ويسعون سريعا لاحتوائها فسيكتوي الجميع بنارها.. أمام حزب الله فرصة للتراجع عما تورط فيه وورط الآخرين معه، فهل يستغل هذه الفرصة؟ كما أن على من تورط في هذه الحرب من غير الحزب أن يعيد النظر في موقفه ويسلك الطريق الذي يوصله لطريق النجاة!!