"شنودة " و"تواضروس" يتفقان فى نبذ الفتن ويختلفان على استيعاب الغضب بقدر ما طرحت شخصية ومواقف البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية، إشكاليات وتساؤلات على مدى سنوات توليه مسئولية الرعاية الكنسية، إلا إن حكمته المعهودة وقدرته على التفاوض والحوار للخروج من مأزق الطائفية، ومنع التظاهر ضد الكنيسة وضعت حدًا فاصلاً بين حرية التعبير عن الرأى و الخروج عن الأعراف الكنسية. وقد شهدت فترة السبعينيات النهاية الرسمية للمشروع القومى للرئيس عبد الناصر، ما أدى إلى احتقان العلاقة بين المسلمين والمسيحيين, وكانت البداية بإحراق مقر لجمعية قبطية فى حى الخانكة، على خلفية قيام مجموعة من الأقباط بالصلاة داخل مبنى الجمعية, فما كان من موقف البابا شنودة إلا أن رفض هجرة المسيحيين المصريين إلى القدس، وقام بتهدئة الثائرين، ما خفف من حدة التوتر مع تصاعد الأحداث والصدامات الطائفية. وفى عهد البابا شنودة ذاته اهتزت معادلة التخندق والاحتماء بأسوار الكنيسة مع عملية تفجير كنيسة القديسين، ورفض شباب الأقباط استمرار سياسات النظام فى ترديد أن الهجوم من صنع قوى خارجية لزعزعة استقرار مصر، خاصة أنه لم يكد يمر عام على أحداث نجع حمادى التى وقعت مطلع عام 2010. وتعد هذه الخطوة اللبنة الأولى لانفصال الأقباط عن كنيستهم سياسيًا، بعدما بدأ عدد من الحركات المدنية، ومجموعة من الأقباط المستقلين، فى الخروج على الكنيسة بشعارات مناهضة للرئيس المخلوع حسنى مبارك بل والبابا شنودة نفسه فى القاهرةوالإسكندرية، وهو ما انتقده البابا، وطالبهم بتخفيف لهجتهم، لأن العبارات التى استخدموها "تخل بكل القيم والأعراف السلوكية الكنسية". ومنذ أحداث كنيسة العمرانية، طرأ تحولاً كبيرًا فى تعبير الأقباط عن غضبهم فلأول مرة يخرجون للشارع بدلاً من الذهاب للتظاهر داخل الكاتدرائية وانتظار البابا للحديث باسمهم، بعدها خرج الأقباط للشارع بعد تفجيرات كنيسة القديسين، واعتصام الأقباط فى ماسبيرو للمرة الثانية للمطالبة بحقوقهم، بل ولا يلبون طلب البابا شنودة بفض الاعتصام. وكانت ثورة 25 يناير، هى الشرارة الأولى، حيث أخذ البابا شنودة موقفًا مؤيدًا للرئيس المخلوع مبارك، لكن آلاف الشباب القبطى شاركوا فى الثورة بفاعلية، وكانت بالنسبة للغالبية منهم نهاية لمرجعية الكنيسة السياسية، وبداية النزول إلى الشارع كمواطنين يناضلون تحت شعارات الوطنية نفسها التى وحدت الشعب بطوائفه. وبعد رحيل البابا شنودة، كانت مهمة البابا الجديد فى غاية الصعوبة، فى ظل خروج شباب الأقباط عن دور الكنيسة التقليدى، وطرح مشاكلهم باعتبارها جزءا من مشاكل المصريين، خاصة الاجتماعية منها والاقتصادية، وإصرارهم على حل مشاكلهم المتراكمة من خلال تحقيق مبدأ المواطنة والمساواة، وإنهاء كل صور التمييز، وذلك من خلال النضال السياسى فى الشارع، وسحب التفويض الممنوح للكنيسة لحل مشاكل الأقباط بالصورة التقليدية. واتضح من الممارسة العملية أن البابا تواضروس لم يستطع أن يستوعب الجيل الجديد من الشباب القبطى الذى بدأ التمرد على قيادات الكنيسة فى نهاية عهد البابا شنودة، وتمثل ذلك فى مشاركتهم فى مظاهرات ميدان التحرير، رغم توجيهات وتعليمات الكنيسة بعدم المشاركة، ثم عدم انصياع شباب ماسبيرو لطلب عدد من الأساقفة بإنهاء اعتصام هؤلاء الشباب الذين تمردوا على السلطة البابوية. لذا رفض الحراك القبطى المستمر سياسات "تواضروس"، خاصة مع صعوبة توافر الصفات الكاريزمية التى كان يتحلى بها البابا شنودة لدى البابا الجديد، ومن ثم المخاوف من الانقسام بين الكنيسة والأقباط، والخوف من تكرار أحداث كماسبيرو لدفع الأقباط إلى الكنيسة مرة أخرى، كى يستطيع النظام التعامل مع الأقباط من خلال رأس الكنيسة مرة أخرى. يذكر أن العشرات من شباب الأقباط وقفة احتجاجية أمام المقر البابوي، احتجاجًا على تصريحات البابا تواضروس الأخيرة، الرافض لدعوات العصيان المدنى وإعطاء فرصة لولى الأمر، بالإضافة لاستنكار تصريحات الأنبا موسى - أسقف الشباب، التى اعترض فيها على مظاهرات الاتحادية.