"تزوجت امرأة ثانية وثار علىّ أهلى وقامت القيامة والمشاكل والآن سأطلقها وستصبح مطلقة للمرة الثالثة وسأدفع لها مؤخرها، فهل علىّ إثم؟" !!!! هكذا وبمنتهى برود الأعصاب طرح أحد الرجال فتواه على أحد الشيوخ الأفاضل فى برنامج إذاعى ليسأل عن الحكم فى تطليق زوجته الثانية التى لم يمض لها على ذمته، وأى ذمة أو ضمير عنده، إلا ثلاثة أشهر!!! غلى الدم فى رأسى وبعد المداخلة فى البرنامج والحديث إلى المفتى تمنيت فقط أن أكون قاضيًا وسيرين الله ما أصنع بهكذا ذكور محسوبين على الرجال قسمة ضيزى بجعلهم عبرة لمن يعتبر بتهمة نقصان المروءة والأهلية العقلية والعبث بالأعراض والحرمات! لا يمكن لأحد أن يقول إن الطلاق حرام ولكنه حلال بغيض ويا لدقة الوصف فى تجلية معانى الاستبعاد واللجوء إليه كآخر الحلول، ولكن الإسلام العظيم الذى يتمسح به مثل هؤلاء من أشباه الرجال، فيسألون عن الحرام والحلال وكأنهم حريصون عليه ويحفظون "الرجال قوامون على النساء" و"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ليس دينًا قائمًا على القوانين والحدود فقط بل إن روح الأعمال والنوايا من وراءها هو ما يجعلها قابلة للرد أو القبول، بل لقد جعل الله القلب السليم أساسَ النجاة وموقع الإيمان والباعث على العمل، وفتح المجال للرحمة والرفق وحسن الظن قبل اللجوء إلى القطع والبتر فحتى المرتد الذى يقدم على كبيرة من الكبائر يستتاب لكيلا توقع عليه العقوبة وهذا يدل أن الشريعة روح سمحاء تريد حفظ النفس والعقل والقلب والمشاعر لا توقيع الحكم ولا تنفيذ العقوبة أو تحصيل الجزاء. ولذا كان من أعظم الأخلاق فى ديننا التغافل والتغافر والصفح والعفو والسماحة وكل هذه الأخلاق من أعمال القلوب.. والقلوب آنية الله فى أرضه، ومن أجمل الأوصاف الشعبية على السليقة ما يقوله العوام من أن "ربك رب قلوب" ولهذا ارتباط بأسماء الله الحسنى كالودود والرؤوف والرحيم. والرسول صلى الله عليه وسلم كان دقيقَ العبارة عندما قال إن كسر المرأة طلاقها وهذا بالرغم من وجود وأداء الحقوق المادية لأن هناك أشياءً لا يعوضها المال ولا تغنى عنها المادة، أشياء جعلت خولة بنت ثعلبة تشعر بالانتهاك الكامل فى قضية الظهار فتشكو إلى الله سبحانه ويخلد قضيتها فى قرآن يتلى إلى قيام الساعة ويجبر كسرها بالتكريم ورد الاعتبار ومن ثم بالتشريع والأحكام. ثم أى امرأة تلك التى تتزوج بإرادتها وعينها على تحصيل المؤخر أو (المهر المؤجل)، إن الساذجة تدخل مشروع الزواج وهى تظن أن كله حب وورود والمؤمنة تدخله سعيًا لتحصيل المودة والرحمة والسكن وقلة قليلة تأخذ الرجل على ماله فقط وفى بالها حساب النفقات والأرباح والخسائر! أى مال يمكن أن يعوض امرأة طُلقت لثلاث مرات المرة الواحدة فى مجتمعنا كفيلة بإلصاق عار وتهمة لا فكاك منها؟! أين كان عقل وأمانة وخلق ذلك الرجل الذى تزوجها ثم لم يصمد لكلام ونق وكيد النساء؟! وهل الرجولة إلا موقف وعهد وكلمة؟! ثم ألا تخشى النساء اللواتى حرضن وتآمرن على ما أحله الله خصوصًا بعد نفاذه بالزواج أن يقتص الله منهن بذات الأمر وبدعوة تلك المطلقة؟! "فالذنب لا يبلى والديان لا يموت افعل ما شئت فإنك ملاقيه" إن هذا السفه الذى يحصل فى أمور الزواج والتعدد والطلاق هو سبب الأمراض الاجتماعية التى نزعت القدسية عن الزواج وحولته من آية من آيات الله إلى ممارسة محكومة بالأهواء والشهوات لا يختلف فيها البشر عن الحيوانات. فى ميدان القلوب ليس الأجر مادة وليس التعويض مالاً، وليس المعوض بشرًا فجبر النفوس لا يكون إلا بيد خالقها الذى يختص ويصطفى ثلة من البشر لإجراء قدره فكونوا أيها الرجال جبارين للقلوب لا جبابرة عليها فصفات الجبروت لله وحده يقصم بها الظالمين وليس للعباد إلا التحلى بصفات الرحمة. لم يرض الرسول أن يكسر خاطر سودة بنت زمعة ويطلقها عندما طلبت إليه أن يحفظها لتلقى الله وهى زوجته وأم المؤمنين فأكرمها وحافظ عليها، فما يكون جواب هذا الرجل صاحب القصة وأمثاله لرب العزة لماذا فرطوا بوصية رسول الله الذى أوصى بالنساء خيرًا. أيها الرجال لا تستقوا فالله أقوى من يُقتل يُدفع له دية ولكن ما دية من يُقتل قلبها وهى حية تُرزق؟!