تصريح رئيس الأركان لرويترز بأن القوات المسلحة ستتجنب التدخل في السياسة لكن يمكن أن تقوم بدور إذا تعقدت الأمور، اعتبرها البعض رسالة مشابهة لتحذير الفريق أول عبدالفتاح السيسي منذ أسابيع من الهاوية التي تنزلق إليها البلاد، فليس من عادة العسكريين طوال فترات رؤساء الجمهورية الأولى التدخل بأي دور. الملاحظة أن الفريق صدقي صبحي وضع الرئاسة والمعارضة في سلة واحدة بقوله إن الجيش يتوقع أن تحل الجماعات السياسية المتنافسة نزاعاتها بالحوار، في حين أن أحدًا لم يعتد من المؤسسة العسكرية المصرية طوال عصور ما بعد ثورة يوليو وحتى في العصور الملكية أنها ساوت بين الاثنين فهي بحكم الدستور الحالي وكل الدساتير السابقة يرأسها القائد الأعلى الذي هو رئيس الجمهورية وتأتمر بأمره. لم يوضح الفريق صبحي ما هية الدور الذي يمكن أن يقوم به الجيش في حال تعقد الأمور، مما فتح الباب لتفسيرات عديدة استبعدت جميعها دور الوسيط السياسي الذي كان يقوم به المجلس العسكري السابق بقيادة طنطاوي، لكن الوساطة حينها لم تنطلق من كونه يمثل قيادات الجيش بل لأنه يحكم البلاد في غياب رئيس الجمهورية. الوضع تغير الآن، فرئيس الجمهورية موجود وهو قائد أعلى للجيش الذي قال رئيس أركانه إنه قد يقومون بدور في حال تعقد الأمور بين الرئيس والمعارضة. الإعلام سارع إلى إبراز تصريحات الفريق صبحي واختار العناوين الدالة على الانقلاب والسيطرة على الحكم، فمعظم القنوات الفضائية والصحف المستقلة والمعارضة وضعت عنوانًا بأن الجيش سيتدخل إذا تعقدت الأمور، وبديهي أن هناك فارقًا كبيرًا بين التدخل والتوسط. الراغبون في عودة الجيش للسلطة راحوا يستدعونه على هذا الأساس، بل ويحرضونه عبر انفجار ماسورة اشاعات خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية لإثارة غضب ضباطه، فتم تسريب خبر عن إقالة قائده العام الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ونشرت إحدى الصحف مقتطفات من مذكرات قالت إن المتحدث السابق باسم الرئاسة ياسر علي سينشرها في كتاب عن الشهور السبعة التي قضاها في مؤسسة الحكم، وأبرز ما فيها أن الرئيس مرسي ترك طنطاوي وعنان في غرفة وذهب لغرفة أخرى حلف فيها السيسي وصدقي صبحي اليمين، ثم عاد لطنطاوي وعنان ليخبرهما بإقالتهما ولما أبدى الأول انزعاجه هددهما بمحاكمتهما عسكريًا. معلومة كهذه تنسب إلى المتحدث باسم الرئيس والمطلع على الأسرار ستغضب القوات المسلحة وستسرع من تدخلها. ومؤكد أن اقترانها بإشاعة إقالة السيسي سيكون لها مفعول السحر على ذلك الغضب، ولذلك نسب أحد العناوين الرئيسية للصحيفة نفسها إلى مصدر عسكري أن الجيش لن يسمح بتكرار ما حدث لطنطاوي وعنان. من الضروري الإشارة إلى نفي ياسر علي أن هناك كتابًا له من الأساس، وأن مدير عام الصحيفة الذي كتب هذا الموضوع قال إن الكتاب لم يطبع وليس موجودًا في المطبعة وإنما نقلًا عن أحد المقربين للدكتور ياسر! استسهال أخبار تخص الجيش ونقلها من "حواديت المصاطب" جزء من السيلان الإعلامي الفوضوي الذي نعيشه منذ عامين، لكنه أخطر ما يكون على الأمن القومي وعلى تجربة الديمقراطية، وتتسق مع مزاج البعض من السياسيين والإعلاميين الذي تحول إلى الرغبة في استدعاء الجيش للحكم بعد أن كان مقاومًا له بشدة. من المهم الإشارة إلى نفي المتحدث العسكري لخبر إقالة السيسي وكذلك نفي الرئاسة. والأهم أن نشير للتصريحات الجديدة التي أدلى بها لاحقًا رئيس الأركان المخالفة لما حاول الإعلام تفسيره من تصريحاته السابقة... فقد أكد أن مصر مستقرة والإعلام يبالغ وأن المؤسسة العسكرية بعيدة عن السياسة تمامًا، وقال إن البلاد تشهد حراكًا سياسيًا في ظل الثورة والديمقراطية وممارسة الحرية، مشددًا على أهمية وجود ضوابط لممارسة الحرية والديمقراطية للوصول للطريق السليم، وأن دعوة الرئاسة للحوار الوطني ستأتي بنتيجة. مازلنا نقول ونكرر بأن الجيش خط أحمر يجب ألا تطاله وسائل الإعلام بسيلانها الفوضوي، فهو المظلة التي حمت مصر وتحميها حتى الآن. [email protected]