قال الإمام الشهيد حسن البنا: "إنما تنجح الفكرة إذا قوى الإيمان بها، وتوفر الإخلاص فى سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذى يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل من خصائص الشباب؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب، ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا فى كل أمة عماد نهضتها، وفى كل نهضة سر قوتها، وفى كل فكرة حامل رايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13)". وهؤلاء الذين ذكرهم الإمام البنا بأوصافهم هم شباب التحرير، لكن شباب التحريش هم هؤلاء الذين لم يغاروا على أعراض أخواتهم فى التحرير، بل راحوا يتحرشون بأكثر من عشرين فتاة فى الميدان، وهذا ما يعلن، لكن المعلوم من الواقع والنفوس بالضرورة، أن ما يعلن يكون ضئيلاً، إضافة لما يُخفى ويُستحيى من ذكره خشية العار والشنار، حتى اضطر شباب على المنصة أن يطلبوا من جميع الفتيات فى الميدان أن يغادرن الميدان، وصدرت نصائح فى عدد من الجرائد للفتيات إذا نزلن التحرير أو الاتحادية فاصطحبن رجلاً أو شابًا من أسرتكن، أو مجموعة متماسكة من زميلاتكن، والبسن الثقيل المحكم المتكرر من الثياب، مع دبابيس للطعن عن الاقتراب، وعشرة خواتم مدببة فى كل صوابعك للزوم الضرب عند الضرورة، والاحتياط بصفارة قريبة من الفم حول الرقبة لزوم الاستغاثة، فهل آل أمر الثورة الشبابية النقية التى كانت فى ميادين مصر أكثر من 12 مليون ثائر حر، ولم تسجل حالة تحرش واحدة ولا حالة اعتداء من باب: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) (ص: من الآية 24)، فعدت بذاكرتى إلى عفة الشاب سيدنا يوسف عليه السلام وهو المقهور بالعبودية، والمظلوم من إخوته فى مؤامرة وجريمة مكتملة الأركان أن يقتلوه، فلم يتعلل ويتذرع بقوله: أين أذهب لو عصيتُ أمر سيدة القصر بعد أن تعرضت من إخوتى لهذا الإقصاء بغرض القتل، بل قال: (مَعَاذَ اللَّه إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ) (يوسف: من الآية 23)، ولما اشتد الأمر وتحولت الفتنة من امرأة واحدة فى القصر إلى نساء المجتمع كله، وهُدِّد بشكل صريح فاضح: كما قال تعالى: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف: من الآية 32)، فقال من غير تردد: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَى مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف: من الآية33)، شباب التحرير هم مثل الشباب المفعم بالعفة والمسئولية معاً، لما رأى يهودياً فى سوق بنى قينقاع يراود مسلمة عفيفة على كشف وجهها فأبت، فربط اليهودى أسفل ثوبها بعقاصها – أى أسفل شعرها - فلما قامت انكشفت، ورأى شاب مسلم الفعل الخسيس فما كان منه إلا أن قتل اليهودى الخائن فتجمع اليهود عليه فقتلوه، فذهب شهيد الدفاع عن أخته المسلمة ولو فعلها اليهود مع مشركة لما اختلف رد فعل هذا الشاب الصحابى الشهيد فى الدفاع عن عرض أخته فى الإسلام أو الإنسانية، ولابن القيم كلام رائع فى كتابه: "الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية"، حيث يرى أن المرأة لو راودها أحد على الزنا تقاوم وتقاتل حتى تذهب شهيدة ولا تمكن أحدًا منها أبدًا". شباب التحرير يقتربون فى أخلاقهم من هؤلاء الأفذاذ من شباب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد ذكرتُ كثيرًا منهم فى مقالى السابق، وها هنا أزيد القارئ من البيت شعرًا، أو من الهدى النبوى قبسًا، حيث روى البخارى بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: كنا معَ النبى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شبابًا لا نجِدُ شيئاً - أى ما نتزوج به - فقال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يا معشرَ الشبابِ، منِ استَطاع الباءَةَ فلْيتزوَّجْ، فإنه أغضُّ للبصَرِ وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستَطِعْ فعليه بالصَّومِ، فإنه له وِجاءٌ)، فالشباب هنا فى قمة التعفف ويعالجون رغبات النفس الجامحة بلجام المتقين وهو الصيام، وصورة ثانية للشباب فى العهد النبوى يرويها الإمام ابن ماجة وصححه الألبانى أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جمعتُ القرآنَ فقرأتُهُ كلَّهُ فى ليلةٍ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: (إنِّى أخشى أن يطولَ عليْكَ الزَّمانُ وأن تملَّ فاقرأْهُ فى شَهرٍ)، فقلتُ دعنى أستمتِع من قوَّتى وشبابي، قالَ: (فاقرأْهُ فى عشرةٍ)، قلتُ: دعنى أستمتع من قوَّتى وشبابي، قالَ: (فاقرأْهُ فى سبعٍ)، قلتُ: دعنى أستمتع من قوَّتى وشبابى فأبى، فالشاب عبد الله بن عمرو يراجع النبى صلى الله عليه فى ختمة القرآن فى ليلة واحدة، وهو الذى راجعه أيضًا فى صوم الدهر حتى لم يرض له النبى صلى الله عليه وسلم أكثر من صيام يوم وإفطار يوم، وصورة ثالثة يرويها الإمام الترمذى بسند صحيح أن الشاب عبدالله بن عمر قال: كنا نَنَام على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى المسجدِ ونحن شبابٌ، فهم شباب فى المسجد معتكفون، فإذا خرجوا من المسجد فهم المنفقون بسخاء، والمعطون بكرم يُضرب به المثل، ومن ذلك ما أورده الألبانى فى شفاء الغليل قال: كان معاذُ بنُ جبلٍ رضى اللهُ عنهُ شابًّا حليمًا سمحًا من أفضلِ شبابِ قومِه، ولم يكن يمسكُ شيئًا فلم يزل يدَّانُ حتى أغرق مالَه كلَّه فى الدَّينِ فأتى النبى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فكلَّم غرماءَه فلو تركوا أحدًا من أجل أحدٍ لتركوا معاذًا من أجلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فباع لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يعنى مالَه حتى قام معاذٌ بغيرِ شيءٍ. ومع هذا كانوا أحرص الناس على التعلم، فصار معاذ السخى سيد العلماء ويتقدمهم يوم القيامة، ومنه أيضًا ما عُرف فى تاريخنا الفقهى أن عبد الله بن مسعود هو جذر ونبع المذهب الحنفى الذى يتبعه نصف مليار فى العالم الآن، وعبد الله بن عمر هو جذر ونبع المذهب المالكى الذى يتبعه ثلث مليار من المسلمين اليوم، وعبد الله بن عباس هو جذر ونبع المذهب الشافعي، وأتباعه أيضًا ثلث مليار مسلم اليوم، وعلماء الصحابة من العبادلة وغيرهم هم جذور وينابيع المذهب الحنبلي، ويتبعه ربع مليار مسلم فى العالم، فإذا جئت إلى ميدان الحرب والقتال فهم الرجال، ومن ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن على قال: تقدم يعنى عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز فانتدبَ له شباب من الأنصار فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بنى عمنا، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث)، فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلتُ إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة. فهؤلاء شباب التحرير وليس أبدًا هؤلاء الذين يقذفون القنابل والمولوتوف، ليس على بنى صهيون! بل على قصر الرئيس المنتخب ورجال الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة. أختم مقالى بكلمات من نور للشباب كما قال الإمام البنا: "ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلاً، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملاً من هذا الشباب، فأول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، وأن تعلموا منزلتكم، وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا، وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين". فجددوا أيها الشباب إيمانكم، وحددوا غاياتكم وأهدافكم، وأول القوة الإيمان، ونتيجة هذا الإيمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين. فآمنوا وتآخوا واعلموا وترقبوا بعد ذلك النصر.. وبشر المؤمنين. حقاً إن شباب التحرير عندنا هم هؤلاء الأطهار الأبرار الأغيار الأحرار الأخيار الذين يملأون الأرض عفة وطهارة، وعزة وقوة، وفتوة ورجولة، وشهامة ومروءة، وحمية وحكمة، وصفاء ونقاء، وذكاء وإباء. وخذوا على أيدى شباب التحريش إما نصيحة رقيقة أو محاكمة عادلة. الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية www.salahsoltan.com