يبدو أن مؤسسة الرئاسة عندنا قد اختارت فريقًا سريًا من المستشارين ممن يعتنقون الفكر الحنفى فى السياسة!، والفكر الحنفى يختلف عن الفقه الحنفى، فالأخير هو مذهب فقهى منسوب للإمام أبى حنيفة النعمان، أما الفكر الحنفى فى السياسة فهى نظرية منسوبة إلى "المعلم حنفى"، وهى مدرسة أسسها الممثل عبد الفتاح القصرى فى فيلم قديم لا أذكر اسمه كان يتخذ فيه المعلم حنفى القرارات، ويعلنها بكل قوة وجسارة مؤكدًا أنه قرار نهائى لا رجعة فيه فما أن تنظر إليه زوجته شزرًا وتزمجر بنبرة تهديدية "حنفى" حتى يرجع حنفى فى قراره طبعًا للصالح العام مؤكدًا أن هذه هى المرة الأخيرة التى يرجع فيها فى قراره . فكل القرارات يتم إصدارها أولًا من الرئاسة ثم تطرح بعدها للتشاور ثم يتم تفسيرها بما يفرغها من مضمونها ثم ينتهى الأمر بإلغائها، وهى طريقة مشهورة فى علم الإدارة تعرف بأسلوب " الاستشارة اللاحقة "، وهى تقوم على أساس إصدار القرار أولًا ثم التشاور حوله تمهيدًا لإلغائه نزولًا على رغبة الجماهير، وهى طريقة تمنح مصدر القرار زخمًا شعبية، وتظهره بمظهر الحريص على تحقيق رغبات الجماهير المتطلعة لإلغاء القرار، وإلا فكيف تعرف الجماهير غلاوتها عند الريس، وكيف يطبق الرئيس مبدأ الرجوع للحق فضيلة إلا بإصدار عديد من القرارات تمهيدًا لإلغائها وكلما ألغى مزيدًا من القرارات كلما تحلى بأكبر قدر من الفضيلة. ثم إن هذه الطريقة فى الإدارة تمنح الجميع الفرصة للتعبير عن حب مصر، حيث يصدر الرئيس قراره فتخرج الجماهير الغاضبة تحرق وتدمر الممتلكات العامة والخاصة، وتتبادل مع الشرطة زجاجات المولوتوف والحجارة فترد عليها الشرطة بقنابل الغاز وخراطيم المياه عملا بالأثر القائل: " نذهب حر هذا ببرد ذاك وبرد ذاك بحر هذا " فى منظومة تواصل ثورى متبادل، ويتدخل أهل الخير من البلطجية بضرب الجميع بطلقات الخرطوش والذخيرة الحية تعبيرًا عن مشاعر الحب، على رأى المثل "ضرب الحبيب زى أكل الزبيب"، وانطلاقًا من قاعدة "ما محبة إلا بعد عداوة"، ويسقط القتلى من الطرفين "فى حب مصر" وسط خطابات التهييج والتحريض من قادة جبهة الإنقاذ لسكب مزيد من الزيت الثورى الحر على نار الحب الموقدة والمشاعر الحميمة. هنا تتدخل القيادة الرشيدة بعد أن تتأكد من أن الحب بين الجميع قد بلغ ذروته على مذهب "ومن الحب ما قتل" فتقوم بإلغاء القرار بعد جلسات حوار سياسى ومجتمعى مع القوى السياسية الفاعلة والمفعول بها والشخصيات العامة المجرورة بالكسرة بمشاركة جبهة الإنقاذ، ولكن بطريق "المشاركة عن بعد" كما قال الشاعر: البعيد عنك قريب .. والقريب منك بعيد. هذا العبث هو سيد الموقف منذ أن رفض النائب العام السابق تنفيذ قرار ترقيته إلى درجة كاردينال، وإرساله إلى الفاتيكان، وما تلاه من صدور الإعلان الدستورى 22/11/2012 ثم صارت سنة من بعده وكأن مؤسسة الرئاسة قد أعجبها الحال، وربنا لا يقطع لنا عادة، ففى أعقاب أحداث العنف التى تلت قرار إحالة 21 متهمًا فى أحداث استاد بورسعيد للمفتى صدر قرار فرض حظر التجوال بمدن القناة من التاسعة مساءً وحتى السادسة صباحًا وإعلان حالة الطوارئ، وبمجرد إعلان القرار خرجت الجماهير فى مدن القناة تحتفل بفرض الحظر فى الشوارع حتى الساعات الأولى للصباح وأقيمت الدورات الرياضية والأفراح والليالى الملاح وشباب القناة كلهم حلى لهم الزواج اليومين دول. وفى اليوم التالى وحفظًا لماء الوجه تم استدعاء روح "المعلم حنفى" فتم تفويض المحافظين فى تحديد ساعات الحظر على اعتبار أن "أهل مكة أدرى بشعابها "، و"جحا أولى بلحم طوره"، ولكى يبدو الأمر وكأن قرار الحظر لم يلغ تم تحديد ساعات الحظر من الساعة الثانية وحتى الخامسة صباحًا، وهو ما يعرف بنظرية " الحظر الطبيعى" على أساس انه أساسًا مفيش حد بيتجول بعد الساعة الثانية صباحًا، مع صدور تهديد صارم من مصدر مسئول فضل عدم ذكر اسمه خوفًا من الفضيحة أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد من ينتهك قرار الحظر تتمثل فى أن المحافظ "سيتحسبن فيه" وربما يتم إصدار تفويض للعاملات بديوان المحافظة أن يكشفن شعر رؤسهن ويدعين على من يخترق الحظر دعوة ولية فى ساعة مغربية. وفى حالة تكرار الاختراق فسوف يتم إصدار قرار جمهورى بتفويض شيخ مشايخ الطرق الصوفية بقراءة "عدة ياسين" فى كل من اخترق الحظر بالشلل الرباعى قادر يا كريم، فى الوقت ذاته أعلن المتحدث باسم الرئاسة عن فتح باب الحوار السياسى والمجتمعى حول الإجراءات الاستثنائية التى صدرت مؤخرًا، وأن الرئاسة لا تمانع فى إعادة النظر فى القرارات الأخيرة طبعًا تمهيدًا لإلغاء القرار كالعادة وربنا ما يقطعلكم عادة.