أصدرت محكمة القضاء الإداري الدائرة الثانية بالإسكندرية برئاسة المستشار حمدي خميس محمود وعضوية المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي والمستشار ماهر نسيم شحاتة وأمانة سر طارق عرفة حكما تاريخيا لصالح عدد من المذيعات المحجبات بالقناة الخامسة ضد وزير الإعلام ورئيس القناة الخامسة ، ورئيس مجلس أمنا اتحاد الإذاعة والتليفزيون بسبب صدور قرار بحرمانهن من الظهور على شاشة التليفزيون بسبب ارتدائهن للحجاب ، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها أنه من الثابت في الأوراق أن المذيعات سبق لهم تقديم برامج علي الهواء وكذا الربط بين الفقرات علي الهواء مباشرة وأن منعهن جاء بسبب ارتدائهن الحجاب وهو لا يخالف النظام العام ولا يخرج علي التقاليد والقيم التي خصها الدستور بالرعاية وأوجب علي الكافة مراعاتها والتصون لها ، فإن الإدارة بهذا القدر تكون قد أخطأت التقدير واستبعدتهن بصورة تحكمية علي نحو يخل بمبدأ المساواة بين زميلاتهن كما أن الإدارة بقرار استبعادهن من الظهور علي شاشة التلفزيون تكون قد تغولت علي حريتهم الشخصية وهما من الحقوق الدستورية وعليه يكون القرار المطلوب عليه مخالفاً للدستور والقانون ويتعين القضاء بإلغائه . كانت هالة السيد المالكي ورانيا إبراهيم رضوان وغادة الطويل المذيعات المحجبات بالقناة الخامسة بالإسكندرية قد أقمن الدعوى رقم 1942 قضائية ضد وزير الإعلام ورئيس القناة الخامسة ورئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون وكذا ضد رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون في 30/11/2003 يطالبن فيها بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الإدارة السلبي بالامتناع عن ظهورهن على شاشة التلفزيون. كما طالبت المذيعات في دعواهن بإلغاء ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة بأن تؤدي لكل منهم تعويضا قدره مليون جنية تعويضا عن الأضرار التي لحقت بهن من جراء القرار المطعون عليه. حيث أكدت المذيعات في عرائض الدعوى أنهن يعملن كمذيعات ربط ويرتدين الحجاب الزي الإسلامي إلا أن إدارة التلفزيون منعتهن من الظهور على شاشة التلفزيون وحرمتهن من تقديم برامجهن دون أن ينسب لهن أي خطأ كما ذكرت المذيعات أنهن لجأن إلى لجنة التوفيق المختصة دون جدوى. وقالت المذيعات في عرائض الدعاوى أن قرار منع ظهورهن مخالف للدستور والقانون الذي كفل الحرية الشخصية وحرية العقيدة باعتبار أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وأن منع ظهورهن على شاشة التلفزيون يعد إعتداء على حقوقهن الدستورية. خاصة أن هناك العديد من الكوادر النسائية يظهرن بالحجاب عند استضافتهن في مختلف البرامج التلفزيونية لفترات تكون أكثر أحيانا من فترات ظهور المذيعة نفسها. وقد أصدرت المحكمة حكما ينص على قبول الدعوى شكلا وفي الموضوع إلغاء قرار وزير الإعلام السلبي بالامتناع عن ظهورهن على شاشة التلفزيون المصري بالقناة الخامسة وما يترتب على ذلك من آثار أخصها تمكينهن من تقديم برامجهن ورفض ما عدا ذلك من طلبات التعويض. وقالت المحكمة في حيثيات الحكم أن منع التلفزيون المدعيات من الظهور على شاشة التلفزيون بعد ارتدائهن الحجاب والاكتفاء بإعدادهن للبرامج دون تقديمها إنما ينطوي على إنشاء مركز قانوني جديد يرتب أثارا قانونية في مواجهتها ومن ثم نكون بصدد قرار إدارة مما يتعين معه رفض دفع جهة الإدارة بعدم قبول الدعوى شكلا لانتهاء القرار الإداري تأسيسا على أنه من التدابير الخاصة بتنظيم المرفق دون أحداث تغيير في المركز القانوني للمدعية. وقالت المحكمة في حيثياتها أيضا أن القرار المطعون فيه من القرارات السلبية لا يتقيد الطعن فيها بميعاد طالما ظلت حالة الامتناع قائمة ومن حيث الموضوع قالت المحكمة أن الدستور المصري لسنة 1971 في المادة رقم 40 ينص على أن "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة". كما أن المادة 41 من ذات الدستور تنص على "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس.." وتنص المادة الثانية من القرار رقم 136 لسنة 2004 الصادر من رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون المضافة إلى لائحة نظام شئون العاملين بالاتحاد ببيان الأحكام العامة برقم 101 على أنه : يشترط لاستمرار شاغلي وظائف المذيعين ومقدمي البرامج في وظائفهم الشروط التالية: الظهور اللائق على الشاشة من حيث المظهر في ضوء اجتياز اختبارات شغل الوظيفة .. إلخ وتؤكد حيثيات المحكمة أن المشرع الدستوري ارتقى بالحرية الشخصية وجعلها حقا طبيعيا وهي مصونة لا تمس في إطار مبدأ المساواة أمام القانون وكفل تطبيقه الاجتماعي وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون. وتشير حيثيات الحكم إلى أن القضاء الإداري قد حرص منذ نشأته على الحفاظ على الحرية الشخصية وجعلها ملاك الحياة الإنسانية كلها لا تخلقها الشرائع بل تنظمها ولا توجدها القوانين بل توفق بين شتى مناحيها مختلف توجيهاتها تحققا للخير المشترك للجماعة ورعاية للصالح العام فهي لا تقبل من القيود إلا ما كان هادفا إلى هذه الغاية مستوحيا تلك الأغراض ومن ثم فإن الحرية الشخصية هي حق أصيل للإنسان وجماع ما في العالم من مزايا وصفات نشأت منذ الخلق الأول كما أن الدساتير كلها بما فيها للدستور المصري قررت كل الضمانات للحرية الشخصية رعاية للصالح العام . وقضت حيثيات الحكم مؤكدة أن القضاء الإداري استقر علي أن كل قرار إداري يجب أن يقوم علي سبب يبرر إصداره ويدفع الجهة الإدارية إلي التدخل والعمل وهذا الشرط أكثر لزوقاً للقرارات التي تمس الحريات الشخصية وتمثل ركن السبب فيها أن يكون حقيقياً لا وهمياً ولا صورياً وصحيحاً مستخلصاً استخلاصاً سائغا من أصول ثابتة ، وقانونياً بأن يتحقق في الشرط والصفات الواجب توافرها فيه قانوناً . ومن حيث أن الحريات الشخصية مكونة في القانون والدستور ومن فروعها الأساسية حق الشخص في ارتداء ما يشاء من الملابس دون تحديد شريطة ألا يتضمن ذلك الملبس إخلالاً بالنظام العام أو ينافي تقاليد المجتمع والأعراف المتفق عليها وبما يقبله الذوق العام ولا يشذ عنه . أما عن طلب المدعيات بالمطالبة بتعويض مليون جنيه لكل منهن فإنه قد بات مستقراً علي هدي ما استقرت علية أحكام المحكمة الإدارية العليا أنه في حالة إلغاء القرار المطعون فيه ذلك يعد جبراً للأضرار التي لحقت بالمدعيات وخير تعويض لهن لأنه لا يجوز المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهن من جراء إلغاء القرار المطعون فيه بعد أن قضت المحكمة بإلغائه علي النحو سالف البيان . يذكر أن العشرات من مذيعات القنوات الفضائية المصرية الممنوعات عن الظهور ينتظرن مثل هذا الحكم الذي يعيد الاعتبار لحقوقهن الإنسانية والدستورية .