انشغل الاصلاحيون العرب الليبراليون منهم وغير الليبراليين بقضية أخذت الكثير من وقتهم، وهي قضية الدور الخارجي في عملية الاصلاح السياسي الداخلي في الدول العربية. فقد كثرت وتباينت الرهانات على أولوية الدور الخارجي في ظل تعنت الحكومات وتسويفها لدعوة الاصلاح، ووصل التهافت على الدور الأمريكي بالتحديد الى اطلاق البعض شعار “بيد عمرو وليس بيدي” طالما أن اليد الداخلية باتت مغلولة. ووسط كل هذا اللغو والتصارع حول سراب ووهم الدور الأمريكي كانت هناك اسئلة محورية فاصلة هي: ما هي الأولوية الأمريكية الحاكمة: المصالح أم المبادىء.. وبالذات في حالة الصدام بين هذه المصالح والمبادىء؟ وهل الولاياتالمتحدة يمكن ان تضحي بنظم صديقة في سبيل الانحياز لمبادىء وقيم سياسية، خاصة اذا كانت عملية الانحياز لهذه المبادئ والقيم ستأتي ببدائل أقل تسامحاً مع السياسات الأمريكية في المنطقة؟ هذه الأسئلة شغلت أمريكيين كثيرين منهم ريتشارد هاس رئيس دائرة التخطيط السياسي السابق بوزارة الخارجية عقب إحدى زياراته لعدد من العواصم العربية الذي عاد محذراً الادارة الأمريكية من التمادي بالدعوة للديمقراطية لأن هذه الدعوة تضر بحكومات صديقة وحليفة في الشرق الأوسط، كما تضر بمصالح أمريكية. هاس وغيره ممن هم باتوا خارج دائرة صنع القرار وقعوا هم أيضاً مثل كثير من الليبراليين العرب الأكثر تهافتاً على الدور الأمريكي في مصيدة التضليل السياسي الأمريكي فالادارة الأمريكية تعي خطر التغيير الديمقراطي الحقيقي في الشرق الأوسط على مصالحها وسياساتها لكنها باعلانها الانحياز للتغيير الديمقراطي كانت تستهدف الشعار اكثر من المضمون. كانت تريد ثلاثة أهداف ليس من بينها التغيير الديمقراطي الحقيقي الذي تريده الشعوب وبالذات مطلب تداول السلطة الذي يعتبر الاداة الحقيقية لإنهاء حالة الاحتكار السياسي التي تتمثل في احتكار السلطة التي أدت بسبب الفساد الى احتكار الثروة أيضاً. هذه الأهداف الثلاثة هي تجميل الصورة الأمريكية القبيحة في المنطقة بسبب السياسات الأمريكية في العراق وفلسطين ومحاولة شغل الرأي العام العربي بقضية بديلة عن مصائب تحدث في العراق (فتنة طائفية وتقسيم) وفلسطين (فرض حل غزة أولاً وأخيراً على حساب القدس وحق العودة والمستوطنات التي سيبتلعها السور العنصري اللعين). أما الهدف الثاني فهو ابتزاز الحكومات واجبارها على تقديم تنازلات في هذين الملفين (العراق وفلسطين)، والهدف الثالث هو خلق حالة من الجدل والصراع السياسي الداخلي في الدول العربية تكون محصلته إحداث تغيير في العقل الجماعي العربي نحو الولاياتالمتحدة وسياساتها وأصدقائها في الداخل العربي باتجاه تحسين الصورة الأمريكية. زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لعدد من الدول العربية، ثم زيارة نائبها روبرت زوليك في الأيام الماضية وبالذات للقاهرة كشفتا حقيقة الموقف الأمريكي من قضية التغيير السياسي الحقيقي وبالذات في مصر. فواشنطن ليست جادة في التضحية بالمصالح من أجل مبادئ مثل الديمقراطية، وهي غير جادة في الضغط على الحكومات، وغير معنية بمطالب قوى التغيير الديمقراطي الحقيقي، وأن أقصى ما تضغط به واشنطن للحفاظ على جدية دورها أمام قوى المعارضة هو تحسين أداء النظم وبالذات تحسين عملية الانتخابات القادمة وخاصة انتخابات الرئاسة والحد من عنف أجهزة الأمن في تعاملها مع قوى المعارضة. عندما التقت رايس بممثلين لبعض فصائل المعارضة ليست من بينها قوى المعارضة الحقيقية (حركة كفاية وحركة الاخوان المسلمين) لم تعلن رفضها للاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور لكنها اكتفت بأن تأتي الانتخابات التي ستأتي حتماً بمرشح الحزب الوطني الحاكم. وجاءت زيارة نائبها روبرت زوليك لتؤكد أن دور أمريكا لن يتعدى التجميل الذي لا يتجاوز حدود التضليل السياسي. --- صحيفة الخليج الاماراتية في 20 -7 -2005