في مقال د. عبد المنعم سعيد (أهرام 22/8) وتحت عنوان "لماذا يختار الناس الرئيس مبارك؟" ، أشار الكاتب إلى إستطلاع أجرته (الأسبوع) في أوساط مجموعة من البسطاء انحازت غالبيتهم إلى الرئيس مبارك ، ثم أشار إلى مقال نشر في (المصري اليوم) عن مجموعة من الطلبة المؤيدين لحزب مبارك . وخلص الكاتب العبقري من هذين النموذجين إلى أن الناس تريد مبارك بعد أن تجاهل حقيقة أن إختيارات الناس تحددها إنتخابات حرة نزيهة لا تستثني المنافسة الحقيقية ، وتحددها إستطلاعات تغطي عدة طوائف من الشعب وتشمل أعدادا كبيرة من العينات الأقرب لتمثيل الناخبين، وليس إستطلاعا يتيما يستحيل بأي منطق علمي الخروج منه بتوقع كذلك الذي أشار إليه عنوان مقال د. سعيد .. إستطلاعا تناول عينة من البسطاء الذين يسهل عن طريق الإعلام الموجه تشكيل أفكارهم ، أو مجموعة من الطلبة تبحث عن أسهل الطرق للنجاح في مصر، وذلك بالانضمام إلى الحزب الحاكم. يبرر سعيد تهافته على الدعاية لمبارك بالاستناد إلى مقولة "اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش" ، فيقول إن هذه المقولة لا تدلل على نزعة تواكلية من جانب بسطاء تبلدت عقولهم نتيجة للحصار الإعلامي الموجه ضدهم منذ عقود ، أو إنتهازية من جانب شباب يبحث عن أسرع الطرق للصيت والثراء . بل يزعم الكاتب أن المقولة "هي خلاصة حكمة سياسية عميقة وقدرة على الاختيار السياسي." لماذا ؟ "لأن الناس تختار مبارك وتنحاز للحزب الوطني لأنهم يؤيدون سياسات هذا وذاك". والواقع أنه إذا كان في هذه المقولة حكمة من أي نوع ، فهي حكمة الفرعون في كل مكان الذي ينصب همه الأول فور تقلده المنصب على كيفية التأبيد فيه ، وذلك بإقصاء وإخفاء كل من يظهر في الصف الثاني والثالث من أصحاب الكفاءات ويعتبرهم الفرعون مصدر تهديد لتأبيده ونفوذه . مقولة "اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش" هي نتاج سياسة متعمدة تمكن الفرعون من السيطرة على عقول السذج والبسطاء الذين لا يقرأون ولا يدرون حقائق ما يجري . . سياسة تخفي الآخرين حتى تغلق أي باب للمقارنة . ولأن الناس لا تتعرف على الشرير والمنكر والقبيح إلا برؤية الطيب والمعروف والجميل، يصعب على البسطاء رؤية حقيقة سياسات نظام حكم الحزب الوطني لأن باب المقارنة مغلق أمامهم. وهكذا تحول مثلا إبراهيم نافع إلى ما يشبه الحاكم بأمره في الأهرام . وبسبب سياسة الإقصاء والتهميش لأصحاب الكفاءات في المؤسسات الصحفية حتى يظل من هو معروف "أحسن من غير المعروف" (على أساس تجهيل الناس بمن هم أكفأ لتحمل المسئولية) كانت النتيجة أنه عندما حان الوقت للتغيير، لم يبق إلا معدومي الكفاءات لتحمل مسئولية هم ليسوا أهلا لها في هذه المؤسسات. بل إن د.سعيد يقترب من حد الاستهبال (وهو لفظ ما كنت أود اللجوء إليه) عندما ينتقد المقاطعين لمسرحية الانتخاب بقوله في مقال 29/8: "ولكن أن يبدأ الأمر وينتهي بالرئيس مبارك وتاريخه وسجله وقدراته دون مقارنة بتاريخ وسجل وقدرات الآخرين فإن العملية السياسية كلها تنتهي من كونها مناظرة لكي تصبح نوعا من المهاترة". فالرجل يعرف أن الرئيس الذي يؤيده والحزب الذي ينتمي إليه هم الذين أقصوا الكفاءات وحاربوها بالتضييق والطوارئ والمحاكمات العسكرية لإغلاق أي فرصة للمقارنة لكي لا يرى الناس قبح سياسات النظام وممارسات الحزب ، ثم يأتي الآن لكي يطالب بعقد مقارنة مع مجموعة مرشحين مجهولين لا يدري أحد عنهم شيئا. إذن مرة أخرى يمارس الكاتب "الاستراتيجي" التدليس على قارئ الأهرام بتصوير الانحياز إلى مبارك من جانب عينة واحدة في الشعب (المتبلدون السذج) وكأنها "حكمة سياسية عميقة" وليس نتيجة طبيعية لسياسة ظالمة قضت على أعداد هائلة من أصحاب الكفاءات ودفعت الكثيرين منهم إلى الهروب من مصر حتى تستفيد منهم دول أخرى . [email protected]