لنجيب محفوظ رواية اسمها عبقرى: "الشيطان يعظ", خذ بالك من العنوان, أكرر: "الشيطان يعظ", وفيها يهرب البطل "شطا" بزوجته من تحرشات الدينارى وغضبه, فيلجأ بها إلى ذئب آخر هو فتوة العطوف "الشبلى"، فلا يكتفى الفتوة بالتحرش, ولا يسكت الشيطان عن الوعظ.. تذكرت الرواية وأنا أتابع متأسفًا متأففًا متضايقًا مقروفًا موضوع التحرش. وآخر ما نما إلى علمى أن فنانًا وعظنا بأن سبب التحرش فى مصر هو عائلة السبكى- منتجة الأفلام المعروفة-, وأن التحرش يزداد مع الخروج من قاعات السينما- خاصة وسط البلد- بعد مشاهدة أى فيلم من إنتاج السبكى. سبحان الله, لقد كنت فى زمن لا أعرف به معنى التحرش إلا فى الأفلام الأمريكية, وأصبحت فى زمن لم أكن أتخيل أن يكتب فيه قلمى عن التحرش, حتى كتب - كما قلت- متأففًا متأسفًا- ومعتذرًا لكم أيضًا. أمس هاتفنى صديق حبيب أديب: "تصور هناك قناة متخصصة فى مباريات المصارعة, وأسفل المباراة يسير شريط به حوارات بين المشاهدين, فواحد يعرض خدماته على النساء, وآخر يذكر اسمه ويقول إنه مطلق ويريد الارتباط دون زواج, وثالثة تقول ورابع يتشوق...". شكلها أصبحت مسخرة, وما كنا نعتبره خيالاً صار حقيقة مرة, ونفس الشيطان الذى يبث كل تلك القنوات, هو نفسه من يبث علينا قنوات الفضيلة والأحاديث ومشهد الحرم الشريف, يعنى كله على كله, وإذا رأيت الشيطان فلا تستعذ منه, وقل له: عجل بموعظتك نهارًا, فإن لى شأنًا خصوصيًا فى آخر الليل مع لسان آخر من ألسنة النايل سات فى صورة قناة للسبكى. الموضوع متشابك, والشارع الذى يشهد التحرش, هو نفس الشارع الذى استباحه التوك توك, وغاب عنه رجل المرور, واكتفت الداخلية بحشد رجالها فقط عند صلاة الرئيس بأحد المساجد.. واكتفت مصر بحجب قناة الجزيرة مباشر. فيه شىء غلط, فيه رؤية لا ترى, واشتباكات لا تنفض, ولحوم تباع وتشترى. لماذا لا نستمع لموعظة الفنان, لماذا تسمح إدارة النايل سات بتلك المواخير العلنية المتواصلة أربع وعشرين ساعة, ومن المسئول عن المحاسبة؟، هل هى وزارة الإعلام أم وزارة الاستثمار؟، أم وزارة السياحة على أساس أن تلك القنوات مكانها الطبيعى غابة محلات شارع الهرم وبارات الفنادق؟.. يؤسفنى أن أسمع أنباء تلك القنوات كل صباح.. يوجعنى أن أتابع أخبار النُباح. [email protected]