سيدى.. صلى الله عليك وسلم.. لطالما مرت بى الليالى، وأنا أتمنى أنا أراك فى منامى!. وأتمنى لقاءك ولقاء الأحبة الكرام!. فكنت كلما عانيت لفح الهجير؛ فى صحراء حياتى؛ تاقت نفسى إلى شربة هنيئة من يديك الكريمتين، فتستحيل فوراً هذه الصحراء إلى حدائق غنَّاء؛ وأشعر وكأننى أستظل بسماء ربيعية عليلة النسيم، فلا يضيرنى معها هم ولا نصب!. اعتذار!؟: فعذراً ... لأننى سأعلنها اليوم؛ بألم شديد يعتصرنى حزناً؛ ووجهى أخبئه بين يدى حياءً؛ بأننى أعلن انسحابى، من تلك الأمانى الكبار!؟. وأقرر تأجيل آمالى الغالية!؟. وأرجو من الله أن يكون هذا القرار مؤقتاً؛ وذلك من أجل وقفة واجبة؛ وأظنها خطوة شجاعة تأتى فى وقتها؛ وذلك حتى أراجع نفسي، وأحاسبها قبل أن تُحاسب!. ولأننى أيها الحبيب، قد بحثت فى جعبتي، فوجدتها متواضعة الرصيد، وزهيدة الوزن لا تكفى ثمناً لأمنياتى الغالية، وفقيرة لا تصل إلى اليسير من المهر المطلوب لآمالى العريضة!؟. إنهم يتطاولون!: لقد فوجئت بخبرٍ أدمى قلبي؛ فليتنى أيها الحبيب أستطيع أن أخفيه عنك، حتى لا يشتد غضبك أيها الكريم علينا؛ فتصرخ فى وجوهنا: (سحقاً ... سحقاً) ... ويصدق علينا ما رواه أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّى فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَى شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَى أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِى النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا فَأَقُول:ُ إِنَّهُمْ مِنِّى فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي. [رواه البخاري] أيها الحبيب ... لقد أجرمنا كلنا فى حقك؟!. لقد عجزنا أن نحفظ لك قدرك وقدسية مقامك الشريف؟!. يا إلهي؛ لقد تطاول البعض أخزاهم الله بالإساءة إلى من زكاه سبحانه: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ". [القلم 4] فغضبتُ، كما غضب معى الملايين، وزمجرتُ، كما زمجر حولى الملايين!. عفوية ... وعواطف طفولية!: ولكننى قلت: أيتها النفس انظرى فى نفسك وتفرسى فيمن حولك؛ لترى لِمَ نغضب ونغضب ثم وبنفس القدر نهدأ؟!. ولِمَ نثور ونثور ثم لا نلبث أن نخمد؟!!!. ولكنهم لا يأبهون لهذه الغضبة العفوية المؤقتة؟!. فهل درسوا نفسياتنا العاطفية الطفولية؛ وعرفوا مقدار سقفنا الذى لا نتجاوزه؟!. وهل وصلت بنا الغثائية، أن نزع المهابة منا، ومن صرخاتنا، ومن حرائقنا، واطمأنت قلوبهم؛ فناموا آمنين؟!. لِمَ يتطاولون!؟: لقد وضعتُ يدى على بعض الأسباب، أقصد الأسرار التى أوصلتنا لهذه الوضعية!. فعندما تفكرت من هو صاحب الفضل فى علمى بهذه الإساءات؟!. لقد عرفت عن طريق الفضائيات ومن خلال الأجهزة التى صنعوها لنا!. فهل أشكرهم على هذه التقنيات التى تعبوا فى صنعها، واستخدمتها وأنا جالس على الأريكة احتسى القهوة، أم ألعنهم وقلبى يغلى من جراء جريمتهم؟!. ولما نظرت إلى القهوة اللذيذة التى بيدي؛ وجدتنى قد جهزتها بفضل أجهزتهم التى ملأوا بها مطابخنا؟!. ولما تفرست فى الغاضبين؛ وجدتهم قد رفعوا لافتات تلعنهم، وهى نفسها التى صنعوا أقمشتها فى مصانعهم؟!. فهل من الواجب على الغاضبين الثائرين أن يشكروهم أم يلعنوهم؟!. فنحن نأكل ما صنعوا!. ونلبس ما صنعوا!. وننام على أسرة مريحة استوردناها منهم!. ونعرف أوقات صلواتنا من خلال ما صنعوا!. ونركب سياراتهم!. ونتداوى بأدويتهم!. بل نصرخ ونلعنهم فى أبواق صنعوها لنا!. كم نحن جاحدين لفضلهم؟!. فلِمَ هذه الازدواجية؟!. نأكل منهم باليمين، ثم نلعنهم بالشمال؟!. على مفترق الطريق!: وأنت الآن أيتها النفس؛ على مفترق طريقين؛ وأمامك خياران لا ثالث لهما: إما أن يسامحك صلى الله عليه وسلم؛ ويرضى بلقائك فى رؤياكِ، وتنالى العزة فى الدنيا، وتستحقى شرف الشربة الهنيئة من يديه الكريمتين، وتتيه رأسك فخراً بما قدمتميه فى حياتك الدنيا، بالدفاع عن مقامه صلى الله عليه وسلم؛ وسيسمع الجميع هذا الترحيب: (مرحباً ... إخواني). وتتذكرى بفخر البشرى: "وَدِدْتُ أَنِّى لَقِيتُ إِخْوَانِي. قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟!. قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِى وَلَكِنْ إِخْوَانِى الَّذِينَ آمَنُوا بِى وَلَمْ يَرَوْنِي". [رواه الأمام أحمد] وإما الخيار الآخر؛ وهو هذا الغضب الرهيب، الذى عنوانه (سحقاً... سحقاً). فهل سنتردد ثانية؟!. كلا؛ فنعاهدك أيها الحبيب صلوات الله عليك وسلامه. أن نبدأ من الآن فى تجديد معنى الدفاع عنكم بأن نعيد قراءة إرثكم العظيم وننشره فى حلقات قادمة بعونه تعالى علنا نسعد برضاك عنا وتقبل مقابلتنا. والسلام عليكم ورحماته وبركاته المخلص والمحب: د. حمدى شعيب E-Mail: [email protected]