تأتى الأنباء عن موافقة الرئيس المصرى، الدكتور محمد مرسى، عن حضور مؤتمر قمة عدم الانحياز بطهران لتفجع كثيرا من الذين عولوا على نجاح الثورة فى استعادة مصر لدورها الإقليمى، الذى همشه نظام مبارك حينا، وأحيانا أخرى باعه بثمن بخس فى موازين الدول الكبرى. العداء الإيرانى للدور المصرى هو عداء تاريخى على مواضع الأقدام ومواقع النفوذ ومناطق التأثير، وهو صراع لا تتحكم فيه طبيعة النظام الحاكم فى إيران بقدر ما تحكمه عوامل موضوعية، فثورة الخمينى فى جوهرها استكمال للطموح الشاهنشاهى. سواء فى المشروع النووى أو فى السيادة الإقليمية ومفاده أن تكون إيران شرطى الخليج والوكيل الحصرى لعلاقات المنطقة الدولية مع العالم الخارجى، بل إن ثورة الخمينى زادت على الطموح الإمبراطورى للشاه البعد المذهبى وهو استثمار ورقة الأقليات الشيعية فى بلدان العالم العربى وخاصة دول الخليج وتحريكها بما يتوافق مع المصلحة الإيرانية القومية البحتة. ومن تداعيات استثمار البعد المذهبى هو العمليات المنظمة لنشر التشيع فى البدلان العربية والإسلامية السنية الخالصة ودعمه بالمال والمساعدات اللوجستية لخلق اضطرابات فى تلك البلدان وتكون المساومة مع هذه البلدان فى ضمان استقرارها بل واستمرارها مع ملالى إيران. فإيران الملالى لم تكن يومًا فى تاريخها الحديث والمعاصر عدوة للولايات المتحدة أو إسرائيل، أما فى عهد الشاه، فالتاريخ معروف ومسطر وأما فى عهد الخمينى وما بعده، فالتاريخ يحتاج إلى إعادة تذكير ومزيد بيان فالآلة الدعائية الإيرانية شوشت كثيرًا من صفوة العقول فى عالمنا العربى والإسلامى. يقول مستشار الرئيس الإيرانى، السابق أبطحى فى تصريح كاشف عن جوهر العلاقات الإيرانيةالأمريكية: "لولانا ما استطاعت الولاياتالمتحدة غزو العراق وأفغانستان". تتعامل إيران مع دول العالم العربى، وخاصة دول الخليج العربى بمنطق الدولة الإقليمية الكبرى التى تريد أن تفرض وصايتها وهيمنتها على محيطها الإقليمى. فتعتبر إيران أن منطقة الخليج العربى هى مجالها الحيوى فتحتل الجزر الإماراتية الثلاثة وتحرك شيعة البحرين فى مطالب طائفية بهدف تدمير استقرار البحرين واستقلالها فى محاولة مكشوفة لقلب النظام الحاكم. وتبعية حزب الله اللبنانى لمرجعية الملالى فى طهران واضحة صرح بها حسن نصر الله واعترافه بتلقى أموال إيرانية سماها "نظيفة". وتحرك شيعة اليمن الحوثيين بما يهدد كذلك كيان الدولة اليمنية على ما به من ضعف واهتراء تكوين، وتحرك شيعة السعودية فى المنطقة الشرقية. وتحاول أن تزرع الفتن فى الدول السنية الخالصة كمصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب عن طريق عمليات منظمة لنشر التشيع. ومن ثم فالدور الإيرانى ليس خطرًا فقط على حجم العلاقات المصرية العربية ودوائر حركتها فى محيطها العربى والإسلامى والإفريقى بل خطر على الكيان المصرى نفسه. ليس بالضرورة أن تكون مصر فى حالة حرب أو عداء مع الدولة الإيرانية لكن حتى العلاقات السلمية مع هذه الدولة، التى تبيع أقرب المقربين لها على مذبح التقية الدينية والبرجماتية السياسية ليست فى مأمن من الغدر واللعب مع الدول الكبرى من تحت الطاولة (صفقة إيران جيت نموذجًا حيث تعاملت إيران مع إسرائيل عسكريا دون أدنى حرج دينى أو سياسى أو حتى إعلامى). إيران دولة ليست محايدة تجاه المصالح المصرية بل مهدد لها وخطر عليها، فالأمن القومى المصرى لا يتحرك فى فراغ بل فى محيط أكبر من العلاقات المتينة والصلات الوثيقة مع أركان العالم العربى فى تناسق وتكامل عجيبين، الأمن الخليجى خط أحمر بالنسبة للأمن المصرى واليمن مفتاحنا على البحر الأحمر والسودان يمر بها شريان الحياة لمصر. كلمة أخيرة: أعلم أن كثيرا ممن حول الرئيس الدكتور محمد مرسى ممن يهونون من الخطر الإيرانى بعضهم لاعتبارات سياسية خاصة بوحدة الأمة، وبعضهم لاعتبارات فكرية تتعلق بتصور عام عن الخلافات العقيدية والمذهبية وتاريخانيتها، وبعضهم لاعتبارات برجماتية تتعلق بالتوازن فى العلاقات الدولية لمصر وتغليب الاتجاه شرقا سواء للصين أو لإيران. وهى اعتبارات جميعها تحتاج إلى مراجعة وإلى نظرة أكثر عمقًا وأشد توازنا، فزمن جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ولَّى إلى غير رجعة مع قيام ثورة الخمينى 1979 وارتداء الطموح الشاهنشاهى عمائم سوداء.