ليست مجزرة رفح إلا حلقة متوقعة فى سلسلة مستمرة متعددة الحلقات لتدمير المجتمع، كما أن توقيتها ليس بمفاجأة فى بدايات جمهورية جديدة، بل أتوقع أن تزداد وتيرة أحداث مماثلة فى الفترة المقبلة لعدة أسباب منها الانفلات الأمنى فى مختلف ربوع الجمهورية إضافة إلى غياب سطوة القانون والشرطة بصورتها الموجبة. لقد فهم العديدون الحرية الحالية فى المجتمع على أنها فوضى وهو ما يجعلنا جميعاً نفكر فى أى قرار نتخذه بالتنقل بين مدننا المختلفة عدة مرات. لقد بات حجم الأسلحة غير المرخصة والمتاحة فى يد العامة أكبر بكثير من متطلبات الحماية الشخصية المزعومة، وبات ما يحدث حتى داخل بعض أحياء العاصمة من اعتداء على الملك العام مفزعاً بصورة لا تسمح بحياة طبيعية. لن نمل من تكرار ما حدث فى العام الأول من ثورة يوليو 1952م ليتضح وجود عمل حاسم مطلوب فى المشهد الحالى، ولنقارن بين عدد الضحايا فى كلا المشهدين ليتضح لنا أنه رغم بعض سلبيات ما حدث فى ثورة 1952م إلا أن عدد ضحايا عامها الأول أقل بكثير منه فى المشهد الحالى. هناك درس يلزم استيعابه! قد لا نتخيل المشهد الحالى على أنه سلسلة من محاولات الإبقاء على سلطة النظام السابق بدءًا من لحظة التنحى ولكن مسيرة الأحداث تشير إلى ربط منطقى لتداعيات التنحى كسبب ونتيجة! وحتى لا نتوه فى سلسلة من الافتراضات فلنتساءل هل يمكن للمستفيدين بالمليارات من وضع دام عقوداً أن يتنازلوا عن سطوتهم بهدوء وهم من كبَّل قدرات الوطن وجعله فى وضع المستجدى للمعونات؟ القضية لا يحلها تصريح رئيس جهاز المخابرات العامة السابق حسب ما ورد من وكالات الأنباء: لم نتصور أبداً أن يقتل مسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار فى رمضان! ما حدث فى رفح هو نقلة نوعية ضد أفراد الجيش وليس الشرطة؛ وبالبحث عن المستفيد يمكننا أن نتوقع أصابع خارجية ولكن بفاعلين أساسيين داخليين سواء بالفعل أم بالتقاعس عن إجهاض العملية حيث أبرزت بعض وكالات الأنباء تصريح مدير المخابرات العامة السابق علمه بالهجوم قبل وقوعه كما أبرزت تصريح محافظ سيناء أن الأمن مستتب، وهو ما يجعلنا نتساءل عما حدث وعمن وراءه خاصة أن الهجوم على الأكمنة فى سيناء أمر متكرر ولنتذكر الهجوم بالأمس الأول على كمين الريسة الواقع على طريق العريش/رفح بالأسلحة للمرة الثلاثين خلال عام ونصف تقريباً. لقد اعتدنا البحث عن فاعل خارجى حيال أى كارثة قبل النظر فى أوجه قصورنا وهو ما يجعلنا لا نستفيد من الموقف. تذكرت وأنا أتابع أخبار الاعتداء الخسيس على أفراد جيشنا ساعة الإفطار ما حدث فى حرب 1973م حيث كان اختيار يوم عيد كيبور عند اليهود موعداً للهجوم أحد أسباب المباغتة فى الحرب، فى كلا الحالتين هناك حالة من الاسترخاء يتحقق من خلالها عنصر المباغتة، النقطة المهمة فى الأمر أن النقط الحدودية نقط استنفار وحين تصل لحالة الاسترخاء تكون قد فقدت قيمتها. فى متابعة لحوار عن الأحداث فى التليفزيون البريطانى فاجأنى مقدم الحلقة فى حواره مع أحد المصريين أن حالة الاستنفار واجبة حتى فى صلاة الجماعة فكيف لها أن تتلاشى فى غير ذلك! هناك دوماً مستفيد من أى فعل حتى لو لم نتخيله فهلا بحثنا عنه؟ هل ما حدث محاولة لضرب التقارب المصرى الفلسطينى؟ هل عملية رفح مع ما حدث فى جنازة شهداء الوطن بالقاهرة من هرج واعتداء على رئيس الوزراء وغيره رسالة للعالم أن مصر لا تستطيع الحفاظ على أمنها؟ فى هذه الأجواء وحتى لا تنتهى التحقيقات إلى أمور غيبية لابد من حل حاسم ليس فقط فى سيناء على حساسيتها ولكن فى مختلف ربوع الوطن. قد نحتاج إلى تعامل خاص مع التواجد الشرطى وليس الحربى فى سيناء بأعداد كافية، وهو ما يتطلب تعاملاً خاصاً مع اتفاقيات كامب ديفيد ولكن هلا فكرنا قليلاً فى اللجان الشعبية التى يمكن أن تتواجد الآن بأعداد لا نهائية لحماية الممرات والتعامل مع بدو سيناء. ورغم تطاول البعض على هؤلاء البدو لابد من الإشادة بوطنيتهم حيث حافظوا على مصرية سيناء إبان الاحتلال الإسرائيلى لها. ولكن يبقى الحل على مستوى الوطن من خلال فرض كامل الأحكام العرفية على منطقة بعينها ليتم تطهيرها بالكامل من المجرمين والمسجلين خطر والخارجين على القانون بالاعتقال وبحزم، وهو ما سيؤدى إلى أن تنصلح أمورها من مرور ونظافة وغيرها من أمور المحليات والتى كانت ومازالت بؤراً للفساد. وذلك كله فى منظومة جديدة تستند للعدل بعيداً عن قانون وضع لحماية من وضعه باستثناءاته المتعددة. لقد طبقت دولاً حلولاً مشابهة لحل مشاكل بعينها، ويبقى المجال مفتوحاً لحلول أخرى فى مناطق أخرى إن وجد نموذجاً آخر شريطة كونها حلولاً حدية سريعة! أما الانتظار فليس بمطلوب. ولنتذكر أن للحزب الحاكم أفراداً فى كل قطاعات الدولة فإن لم ينشطوا الآن فمتى؟ إن المشهد السياسى الحالى رغم ضبابيته وقصور القائمين عليه فرصة لبناء الجمهورية الثانية على أسس الحكم الرشيد بشرط تقويمها المستمر حتى تؤتى ثمارها على أساس القدوة والعدل، فإن ضيعناها فقد لا يجود الزمان بغيرها! أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر