الشاعر الأمريكي الشهير(والت ويتمان)صاحب قصيدة أمريكا الأولى كما يطلقون عليها(أوراق العشب)له جمله ممتلئة بالدلالة فى هذه القصيدة تقول:أمريكا ؟ماذا فعلت بحلمك الجميل ؟ يقول الدارسون ان القصيدة هى المعادل الطبيعى لقيم الطبيعة والإنسان والطيبة والإخاء والصداقة والحب والديمقراطية(الحلم الأمريكى) .. نفهم جميعا إمكانية ان(يحذر)رئيس أو وزير شعبه أو فئة من شعبه من مخاطر معينة تقترب منهم او تتربص بهم لكن ما لايمكن فهمه هو ان يهدد رئيس شعبه بأكثر الصفات وجعا وقهرا وهى(الفقر)..بعض المديرين يعتبرون أن العقوبات المالية هى من اشد العقوبات التى تؤثر فى الموظف لانها تضعه فى حرج وتكسر نفسه أمام أسرته وأصدقائه. ولأن الرئيس ترامب لا هو رجل دولة ولاهو رجل سياسة ولا فكر ولا استراتيجية ولا أى شىء قريب من هذه الصفات الضرورية لأى قائد بارز..هو رجل يبدو سطحيا تماما..يفتقد القدرة على فهم القضايا المركبة..ويتعامل مع السياسة بانطباعية مباشرة..وتصوره عن اكبر دولة فى العالم أنها مجرد إقطاعا شخصيا آل إليه..!! لذلك فحين ضاق الخناق حول عنقه وبات موقفه صعبا لم يجد إلا الكلمة الأكثر إزعاجا للأمريكيين ( الفقر)..فقال فى مقابلة تلفزيونية اليوم الخميس الماضى 23/8 :أقول لكم إنه في حال تم عزلي أعتقد أن الأسواق ستنهار أعتقد أن الجميع سيصبحون فقراء جدا . لا يكاد يمر يوم واحد في أمريكا هذه الايام دون الحديث عن فضيحة أو جريمة جديدة ترتبط بالسمسار/ترامب ..لقد أصبح الرجل ظاهرة إخبارية فريدة في التاريخ السياسى الأمريكي. علاقات جنسية /رشوات مالية وغير مالية /علاقات مريبة مع شخصيات روسية أكثر ريبة للنيل من منافسته هيلاري كلينتون. لم يستخدم ترامب لفظ(العزل) بهذا الوضوح والتحديد من قبل وأتصور ان هذا التحديد كان بعد مشاورات مع المقربين منه بعد اعتراف مدير حملته الانتخابية السابق(بول مانافورت/69 عاما)بارتكاب جرائم احتيال وتهرب ضريبي .. يوم الثلاثاء 21/8 تمت إدانته فى 8 قضايا من اصل 18 قضية وهو فى الأصل كان فى إقامة جبرية من شهر يونيو الماضى لمحاولة عرقلة العدالة والتأثير على الشهود فى القضية الروسية.. من هو(مانا فورت)هذا الذى يشغل الناس والإعلام كما قالت رويترز؟ هو خبير استراتيجي عتيق ويعمل فى واشنطن العاصمة حيث جحور الأفاعي من سنين طويلة كان مستشارا للرئيس فورد في السبعينات وريغان في الثمانينات اتجهت بعدها شبكاته الشبيكة المشبوكة بشبكات كل المشابك القذرة وأوصلته لأن يكون مستشارا لقادة أجانب مستبدين لتحسين صورتهم في واشنطن (الفلبين والصومال وانجولا اوكرانيا...الخ)ثم تولى لفترة(يونيو/يوليو/ اغسطس 2016)إدارة حملة ترامب قبل فوزه .. وكان دوره الرئيسى طمأنة قادة الحزب الجمهورى من دهاقنة السياسة عن هذا(المعتوه) الأتى من مستنقعات الفساد المالى والأخلاقي..لكنه كان اكثر تورطا من رئيسه فى مصائب اكبر إذ كان يعمل مستشارا لأثرياء نافذين على ارتباط بموسكو وشارك في الاجتماع الشهير الذى عقده نجل ترامب يونيو 2016 مع محامية روسية على ارتباط بالمخابرات الروسية وهذه القضية هي تحديدا ما جعلت المحقق(روبرت مولر) يوجه اليه التهمة رسميا في سياق التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية وعلى خلفية الروابط والاتصالات بين روسيا وفريق حملة ترامب. سيظهر لنا فى الصورة القبيحة اسم أخر له ..الأسم له شهرة اجتماعية عند المصريين(كوهين)..المحامى/مايكل كوهين 53 عاما الذى قام بمحاولة رشوة امرأتين من بائعات الهوى لشراء صمتهما عن علاقة جمعتهما بترامب بناء على طلب مباشر من ترامب شخصيا ..وأيضا المتهم بشأن التهرب الضريبي إضافة إلى ثمان تهم أخرى تتعلق بميزانية الحملة الانتخابية لترامب. اعتقد ان الحالة الأمريكية (سياسيا واجتماعيا) تسمح بتمرير هذه الاتهامات والتوريطات..لكن غير المسموح به هو الخروج على أعراف وتقاليد(المؤسسة)..والمؤسسة هى المعادل الموضوعي لما يعرف فى بلاد المشرق ب(الدولة العميقة) حيث الاجهزة العتيدة التى تضع حدودا تسمح للسياسيين المدنيين بالعمل من داخلها وأنه في حالة ما إن تم تجاوز هذه الحدود فإنها تتدخل لإعادة ترتيب الأمور..الرؤساء الأمريكيين بوجه عام عادة ما كانوا يتململون من القيود البيروقراطية الفيدرالية ..نيكسون الذى ينتظر ترامب مصير مشابه لمصيره شارك بنوع مشابه من عدم الثقة فى (المؤسسة)مثل الرئيس ترامب وكان لايشعر بأنه لا يحصل من الحكومة على ما يريده كاملا. (حالة دونالد ترمپ الخطيرة) كتاب هام للغاية قام بتحريره الطبيب النفسى (باندي لي)نشر العام الماضى2017. شارك فى الكتاب 27 عالم نفسي(علم نفس )وطبيب نفسي واخصائيين في مجال الصحة العقلية قاموا بتقييم حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامپ العقلية من خلال خطابه وسلوكه على مدى طويل من حياته العامة وخلصوا إلى أنه شديد الخطورة على البلاد وعلى العالم.. صحة الرئيس العقلية تؤثر على الصحة العقلية للشعب الأمريكي وأنه يضع البلاد في خطر كبيربتوريطها في حروب وفي تقويض الديموقراطية نفسها بسبب نرجسيته المرضية واعتلاله الاجتماعي. وفى تقديرهم فان رئاسة ترامپ تمثل حالة طارئة تتطلب من الأطباء النفسيين الخروج عن مبدأ (كولدواتر)والذي يرى أنه من غير الأخلاقي أن يقدم الأطباء النفسيون آراء مهنية حول الشخصيات العامة دون فحصهم بشكل شخصي. (داخل عقل دونالد ترامب) مقال ضمن مقالات الكتاب الهام لباند لى كتبته لستاذة علم النفس التشريحي في جامعة ييل، وشاركها فى كتابته الصحفي الذي يعرف ترامب جيدا شوارتز والذي كان قد اشترك مع ترامب في تأليف كتاب (فن الصفقة) يقول المقال : أن ترامب يحاول التظاهر بالعظمة والفخامة ولكنه في حقيقة الأمر مخادع كبير يفتقر الى الشعور بالأمان وعلى الجميع أن يكونوا حذرين حتى لا يدفعهم ترامب نحو الإصابة بالجنون. المقال يؤكد أن حالة ترامب تتفاقم وتزداد سوءاً بسبب الضغط النفسي الهائل الذي يشعر به نتيجة لاشتداد حدة التحقيقات التي يواجهها الأن مساعدوه ولذلك فهو يلجأ الى الاعتماد على المزيد من الكذب والخداع وانعدام مشاعر التعاطف الانساني لديه.. هذا الاختلال في شخصية ترامب سيدفع به أكثر فأكثر نحو العزلة ونحو النظر الى الآخرين كأدوات استهلاكية مؤقتة. لذلك تجده ينظر الى كل من حوله كأعداء يتربصون به السوء. وبناء على ذلك كما يقول المقال فى الكتاب فان ترامب ييقدم على تعريف الحقيقة من وجهة نظره هو غيرمبال بمقتضيات القوانين والأعراف وسيبدو مشتت الذهن أكثر وغير قادرعلى التركيز أكثر وستكون قراراته لا تنبع من تحليل منطقي أو تأمل دقيق لانعكاساتها. هو غير قادر على احتمال أي قدرمن النقد ولذلك ستجده يتصرف برد فعل غاضب ومهدد بالانتقام. الدرجة المستعصية لإعاقة ترامب العقلية( كما يسميانها) تجعل من الصعوبة توقع الخطوات الكارثية التي قد تنتج عن شعوره باليأس وذلك بهدف ملء ما يشعر به من فراغ داخلي وإشعار نفسه بالأهمية. كلما ابتعد ترامب أو أبعد نفسه عن الحقيقة غى مواجهة النقد والاتهامات واحتمالات إدانته والتهديد بعزله ..فانه من المتوقع أن يصبح أكثر يأسا وأكثر تطرفا وأكثر عنفا والاهم أكثر تقلبا وتسببا بالدمار لمن حوله . خلاصة القول هي أنه كلما اقتربت الحقيقة من ترامب فانه سيسعى بكل قوة للابتعاد عنها وقمعها بحسب د/هشام فرارجة أستاذ العلوم السياسية فى أمريكا وفي ذات الوقت فان هذا الصراع الحاد بين الحقيقة المريرة وترامب الذي لا يتقبل النقد .. قد نجد افينا امام نتائج كارثية للمجتمع الأمريكي ان لم يكن للعالم أجمع..هكذا قال د/هشام ..فلا أحد يستطيع أن يتوقّع ما الذي سيفعله ترامب عندما يجابه بالحقيقة حول خروقاته وفضائحه وجرائمه ولكن المؤكد أنه لن ينسحب من المشهد دون أن يتسبب بخسائر فادحة ومدوية للآخرين. فلا شعوره المفرط بالعظمة يسمح له أن يقر بحقيقة أفعاله ولا شخصيته(النرجسية) تسهل عليه مهمة التضحية بصورته كفرد في سبيل الصالح العام ..فبالنسبة له فان الحقيقة الوحيدة تتجسد في شخص واحد :هو ترامب ذاك الذى بات يمثلا لحقيقة بعينها. ترامب هذه الأيام لا يوجد حوله أحد من ذوى(الرؤوس المدببة )مثل بانون /فلين..خاصة بانون أحد أقرب مستشاريه والذى أدلى بتصريحات الفاضحة عن ترامب اسرته ل( مايكل وولف)فى كتاب (النار والغضب). وطبعا فلين أيضا مستشاره للأمن القومي السابق الذي ادين بالكذب بخصوص تواطؤ حملة ترامب مع روسيا. ولكن الموقف هذه المرة غير كل مرة المحامى المتهم(مايكل كوهين) لديه أدلة دامغة لإدانة ترامب..واعلن على الملأ أن كثيرا مما قاله ترامب أكاذيب فى أكاذيب على أكاذيب.. مثل انه أنه لم يدفع رشوة لإسكات بائعات الهوى..لكن كوهين كان قد كشف النقاب عن مكالمة هاتفية أجراها مع ترامب وسجلها له !! ويقول فيها بوضوح لا لبس فيه عن معرفة ترامب وموافقته على دفع مبلغ 150000 دولارا لإسكات العاهرات بل وبوضعه خطة ملتوية لفعل ذلك وأيضا يمتلك معلومات مؤكدة عن معرفة ترامب باللقاءات التي عٌقدت داخل برجه في نيويورك بين ابنه دونالد وشخصيات روسية لطبخ خطة لتشويه سمعة هيلارى كلينتون الانتخابية وإضعافها. وهي أخطر تهمة توجه له وستكلفه رئاسته اذا ما ادين بها. مستقبل السمسار /المعتوه كما وصفته بالفعل(أوماروسا نيومان) مساعدتة السابقة فى كتابها الأخير..مستقبل بات مهددا والأخطر أن الرجل سيكون غير قادر على مواجهة لحظة الحقيقة.