إنهما وجهان لعملة واحدة. أو قل إنهما شيء واحد. الكرة سفير فوق العادة للسياسة، وتقلباتها وأحوالها انعكاس لتقلبات السياسة أو تشبهها تماما. أنا مثلا.. كان منتخبي العالمي الأول بين القوى العظمى الكروية هو "الأرجنتين" . أعشق أسلوب لعب نجمهم الأول ميسي ومبهور بفنياته العالية، تماما كما كان الحال مع أسطورتهم مارادونا الذي لن يجود الزمن بمثله. لا يمكن هنا أن أتخلى عن السياسة وأرمي عاطفتي الوطنية جانبا بحجة أنه لا سياسة في الكرة ولا كرة في سياسة، حسب تعبير السادات الشهير عن الدين والسياسة. رميت بالطلاق حبي لمنتخب الأرجنتين، طلاقا بائنا لا رجعة فيه. وخلعت من نفسي كل إبهار بميسي ورفاقه وسأتمنى لهم الهزيمة من طوب الأرض، وأعتقد أن هذا سيكون شأن معظم الجماهير العربية والمسلمة التي كانت تشجعهم، عقب الإعلان عن أن ذلك المنتخب سيلعب مع المنتخب الإسرائيلي في القدسالمحتلة يوم 9 يونيو المقبل في إطار مساعي الصهاينة لإقناع دول العالم بنقل سفاراتها إلى القدس. التقارير الإعلامية الإسرائيلية تقول إن تلك المبادرة جاءت من ميسي ووالده خورخي هوارسيو الذي اتصل بالمنظمين الإسرائيليين مبديا رغبته في نقل المباراة من حيفا التي كان مقررا أن تلعب فيها إلى القدس. صحيح أن منتخب الأرجنتين زار فلسطينالمحتلة عام 1986 ولعب مع المنتخب الإسرائيلي، وكذلك عام 1990. الجديد أن الزيارة المرتقبة تأتي في ظل نقل الولاياتالمتحدة سفارتها إلى القدس والاحتقالات الصهيونية بذلك التي لا تنقطع ، والحديث المتواتر عن إغلاق باب أي تفاوض مستقبلي بشأن المدينة المقدسة، وأنها صارت خارج خطة السلام الجارية التي يجري تمريرها عبر ما يعرف بصفقة القرن. الكراهية هي مصير ميسي ورفاقه، وهو نفس ما يجب أن يسري مع غيره في أي مجال. قلوبنا هي آخر ما نملكه ولا يجب أن نسمح باحتلالها كما احتلت أرضنا ومقدساتنا ودرة تاجها المسجد الأقصى. عروش القلوب ليس سهلة أو هينة. منها يمكن تشكيل تأثير وقوة ضغط هائلة تمنع تكرار فعلة ميسي ومنتخبه. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر.. فإن بيان الرئيس الشرفي السابق للنادي الأهلي تركي آل الشيخ زلزل كيان النادي العريق، فقد تحدث عن تخبط في الإدارة وعن أخطاء، وعن تمويل بستة ملايين جنيه لمحمود الخطيب لكي يفوز بمنصبه، وأن منافسه محمود طاهر كان قد سعى أيضا للحصول على تأييد آل الشيخ ولكنه فضل الخطيب حبا له. بيبو قامة كروية كبيرة.. لكن إدارة ناد كبير وعريق أمر يختلف تماما عن مهارات لمس الكرة وإيداعها الشباك. الآن تتحدث الجماهير عن أن الكرسي أكبر من الخطيب، وأنه ليس مؤهلا وهناك من يقول له "ارحل" على الطريقة التي قيلت للرؤساء الذين خلعهم الربيع العربي. لا أعرف مدى قانونية الحصول على دعم مالي خارجي للفوز بانتخابات الأندية. وإذا كان القانون يمنعها في الانتخابات ذات الطابع السياسي كالرئاسية والبرلمانية، فلماذا يغض الطرف عنها بالنسبة للأندية الاجتماعية، مع أنها ذات أهمية كبيرة، فهي مجال خصب للتدريب على أخلاقيات ومبادئ وقيم الانتخابات. أما السفير المصري والعربي والإسلامي فوق العادة الجوهرة محمد صلاح، فقد شكل لنا علامة فارقة في تاريخنا. إنه يمثل عملة "الكرة والسياسة" الذهبية. كم من التلميع ستناله الصورة الذهنية عنا في نهائي دوري أبطال أوروبا، وهو أهم حدث كروي عالمي بعد نهائي كأس العالم، كم سيذكر اسم مصر والعرب والمسلمين. إنه صلاح الدين الجديد.. الذي يرفع عنا بقدمه الساحرة غبار عقود من التشويه والاستصغار والتحقير. [email protected]