كنت أنوى التحدث عن الدولة العميقة التى تحاول إفشال الرئيس محمد مرسى، والنخبة الفشنك التى تأكل على كل الموائد، وتنام قريرة العين حتى لو على حساب الوطن، ما دام الجيب منتفخًا بمختلف أنواع وأحجام وأشكال البنكنوت، كنت أنوى التحدث عن هذا الأمر ، لولا أن استغاثة وصلتنى من عدد كبير من زملاء المهنة العاملين فى المملكة العربية السعودية مما يحدث لهم من سفارة بلدهم والعاملين فيها من السادة القناصل أو "الإكسلانسات"، وللحقيقة فإن أداء السفارة وقنصلياتها تغير كثيرًا منذ تولى الرجل المحترم محمود عوف المسئولية، فهو رجل ابن بلد شهم أصيل، وصاحب فضل على كاتب هذه السطور وعلى كثير من الناس، ولكنه سيرحل الشهر المقبل فى حرمة التغييرات. المشكلة تكمن فى أن السادة القناصل فى السفارات المصرية بالخارج وخصوصًا الخليج، لا يعرفون أن ثورة حدثت، وأن طريقة الأداء يجب أن تتغير، وأن سيادتهم موجودون فى مناصبهم الراقية من أجل هذا العامل الذى يحمل "شيكارة الأسمنت" على ظهره فى درجة حرارة تصل أحيانًا إلى حد الغليان، ليرسل فى النهاية حوالة بنكية لأسرته بالعملة الصعبة تصب فى صالح الاقتصاد المصرى، ويتقاضى منها هذا "الإكسلانس" راتبه الضخم. وحسب الإحصاءات، يوجد فى السعودية 1.6 مصريين يعملون بشرف وأمانة فى كل المجالات، يتوزعون فى مناطق المملكة، ومع هذا فالسفارة المصرية تبخل بافتتاح مكاتب خدمات لإنجاز أورق هؤلاء من جوازات سفر وشهادات ميلاد وخلافه، وتكتفى بإرسال بعثة كل شهر أو شهرين إلى المناطق المختلفة تقضى ساعات وسط زحام وصيحات المراجعين رجالاً ونساءً، وقد يعود كثير منهم قبل إنجاز ما جاء من أجله، وقد تحدثت شخصيًا إلى "الإكسلانس" حسام عيسى، وهو بدرجة سفير فى سفارة الرياض، وقلت له هاتفيًا: "كيف ترسلون بعثة السفارة إلى شرق المملكة وتضم جالية مصرية كبيرة، ويكون موقعها داخل فندق منعزل بعيد، وفى خيمة بلا تكييف، وبرئاسة شاب متعجرف، يذكرنا بضباط المباحث إياهم؟"!... فقال لى الرجل: دعنا نطرح الموضوع على "فيس بوك" و"تويتر" لنأخذ رأى المصريين!، فقلت له: كيف لعامل بسيط أن يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى؟، ثم أنهى المكالمة ومضى. المشكلة الأخرى التى حكاها لى صديق غاضب، أن المستشار الإعلامى لا يتواصل مع أبناء المهنة العاملين فى الصحف السعودية، ولا حتى يعرفهم بحكم العمل، ولا حتى يعرض عليهم المساعدة فى تقديم الخدمات البسيطة مثل استخراج الأوراق، وكأنه يعيش فى برج عاجى.. هذا نداء إلى سفير مصر الجديد فى الرياض، وهو رجل متمرس فى العمل القنصلى وليس دخيلاً عليه أن يجلس مع رجال السفارة، ويفهمهم أنهم خدمٌ للمغتربين، وأن رواتبهم تأتى من تحويلات هؤلاء العاملين، ويجب أن يكون التعامل معهم جميعًا إنسانيًا وراقيًا، وإلا فليرحلوا غير مأسوف عليهم.. [email protected]