الرئيس "محمد مرسى"، هو أول رئيس مدنى ذى مرجعية إسلامية يصل إلى سدة الحكم فى البلاد منذ ستين عامًا (ثورة 1952) عبر انتخابات شرعية حرة نزيهة جرت لأول مرة فى مصر، فإن تولى الدكتور محمد مرسى مقاليد السلطة فى مصر مفاداة كسر احتكار مؤسسة الجيش لهذه السلطة، وبالتالى من هنا بدأت الخطوة الأولى الفعلية فى المرحلة الانتقالية نحو تحقيق مسيرة التحول الديمقراطى، واستكمال متطلبات الثورة وأهدافها، هذه المسيرة التى ستستغرق وقتاً، وسيتخلّلها العديد من المعارك الشرسة والتحديات الصعبة من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة فى نهاية المطاف. وأنه برغم أن انتصار "محمد مرسى" فى سباق الرئاسة المصرية يمثل علامة فارقة فى عملية الانتقال المثيرة بعد الثورة وحدثًا بارزًا للربيع العربى، إلا أنه يمثل انتصارًا مشروطًا عبر الإعلان الدستورى المكمل (المكبل)، وأن بفوز "مرسى" سيحمل جماعة الإخوان المسلمين عبئًا كبيرًا فى تحمل المسئولية معه فى نقل مصر من مرحلة تقزم دولى وهشاشة داخلية وفقر اجتماعى إلى مرحلة العدالة والنهضة، ومن ثم فإن نجاح "مرسى" أعطى انطباعًا لكافة الحركات الإسلامية فى كل ربوع العالم العربى بأن تقتدى بأطر جماعة الإخوان السياسية وأدواتها من خلال كيفية نجاحها فى تعاملها مع كافة إرهاصات وتغيرات الفترة الانتقالية التى عقبت ثورة يناير؛ لأن وصول رجل منتم فكريًا للحركات الإسلامية لكرسى الرئاسة؛ يمثل انتصارًا قد يتردد صداه فى العالم أجمع؛ لأنه يعد إنجازًا تاريخيًا فى ثورات الربيع العربي. فقراءة المشهد السياسى فى مصر عقب تسلم "مرسى" السلطة يبدأ من بداية الانتخابات الرئاسية، وليس من نهايتها، لأن كافة السيناريوهات كانت تراهن على إفشال الثورة وانحسار مدها الثورى لتصبح حركة أسفرت عن سقوط الرئيس ورموز النظام السابق فقط، ليفاجأ العالم بعودة النظام القديم فى ثوب أحمد شفيق، فالمشهد السياسى ارتبط بعدة عوامل ومتغيرات أدت إلى نتائج وتحديات، وبالتالى نوضح التحديات فيما يلى. أولاً.. التحديات الداخلية: التحدى الأول: الدستور الجديد؛ فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بإصداره تعديلات على الإعلان الدستورى مؤخّرا، أظهر أنه يسعى إلى السيطرة على عملية صياغة الدستور بمنح نفسَه سلطة على سلطة رئيس الدولة، وأن تكون مؤسسة الجيش دولة داخل دولة، كما أنه منح لنفسه سلطة تشريعية فى ظل حل البرلمان، وكذلك المحاكم سلطة نقض على أى مادة لا يوافق المجلس العسكرى والقضاة عليها.. ومن الأرجح أن الجمعية التأسيسية الثانية (الجديدة) ستنجح فى إخراج الدستور الجديد، وسوف تتخطى كافة التحديات والمعوقات، ولكن التخوف أن يتشبث المجلس العسكرى بصلاحيات نافذة على الدولة واختصاصات عليا فى الدستور، ويصر عليها فى إطار ضمانات وتطمينات، بأن يعيد إدراج بنود وثيقة "على سلمى" المختصة بشأنه وهذا وارد، ولكن على الإخوان المسلمين والقوى الثورية الأخرى مثلما سبق فى رفضهم الإعلان الدستورى المكمل، أن يتصدوا لأى محاولات من هذا النوع، ولكن من الممكن أن تعطى ضمانات فى الدستور للجيش دون أن ينفرد بسلطة على سلطة الرئيس، إلا أنه نرى بأن المجلس سيقدّم تنازلات فى هذا المجال، بعد أن سلّم بانتصار مرسى. التحدى الثانى: انتخاب برلمان جديد حالما يُعتمَد الدستور الجديد، أى فى موعد ما فى الخريف المقبل على الأرجح، وعلى إثره ستجرى الانتخابات البرلمانية، فى حالة حكم القضاء الإدارى إذا أقر بقانونية حل البرلمان أو من عدمه فكلا الحكمين فى صالح التيارات الإسلامية، فإعادة الانتخابات الثلث أو إعادتها كاملة ستصب فى فوز الإسلاميين لأن التيارات العلمانية بعيدة عن الشارع، وليس لها أثر فعلى، ومن ثم سيبدأ خصوم الإخوان المسلمين والإسلاميين بحملات تشويه وتشهير ضد التيار الإسلامى عامة فى كل وسائل الإعلام، فهم يتوقّعون حسب وجهة نظرهم ألا يفوز الإسلاميون بمقاعد عديدة، كما حصل فى الانتخابات التى أُجريَت فى وقت سابق من هذا العام، ذلك أنهم فقدوا ثقة العديد من المصريين فيهم، قد يكون هذا التوقّع صحيحاً، إلا أنه يستحيل التأكّد منه الآن.. لكن الواضح أن الأحزاب العلمانية، ستخسر فى الانتخابات البرلمانية إذا تم إعادتها بشكل كبير، وستكون السيطرة كاملة للتيار الإسلامى أكبر من الانتخابات السابقة، فقد كانت حجة هذه الأحزاب بزعم أن أداءها فى الانتخابات السابقة كان ضعيفًا؛ لأنها لم تجد متُسعًا من الوقت لإجراء التنظيم اللازم، وهى أيضًا حاليًا فى حالة الضعف، ولا يبدو أنها تبذل الجهود الهائلة لبناء نفسها، كما يجب لتحقيق النجاح فى المرة المقبلة، وبالتالى ستكون الخسارة من نصيبها، ولكنها ستلجأ إلى التشويه والإساءة لحكم الرئيس "مرسى" بامتلاكها كافة وسائل الإعلام الورقى والمرئى والمسموع. وللحديث بقية فى المقال الجديد [email protected]