دفعتهم الصراعات في بلادهم، التي أدت إلى عدم الاستقرار للفرار إلى مصر، ليبدأوا فيها فصلًا جديدًا من حياتهم، فصل اتسم بالتقلب وعدم الاستقرار في البداية، لكنه ما لبث أن توج بقصص نجاح داخل المجتمع المصري. لاجئو 3 دول عربية هي سوريا، واليمن، وليبيا، برزت أنشطتهم في مصر التي وجدوا فيها ملاذا آمنا، إثر أزمات اندلعت في بلدانهم وما تزال مستمرة حتى اليوم. ورغم تعدد أوجه المعاناة التي يواجهها أولئك اللاجئون خاصة التغرب عن بلدانهم، لكن قصص نجاح عديدة تمكنت من نحت حروفها داخل المجتمع المصري. ورصدت وكالة "الأناضول" أنشطة عديدة لمشاريع أقامها لاجئون عرب بالقاهرة، والتي تنوعت بين مجالات الأغذية والملابس الجاهزة والنسيج ومستحضرات التجميل والاستثمار العقاري، وكانت قصصا لاقت إقبالا واهتماما من المصريين. وشهدت سوريا واليمن وليبيا، ثورات شعبية، مع انطلاق الربيع العربي في 2011، ودخلت تلك البلدان في صراع مسلح، مما دفع أعدادا كبيرة من مواطنيها للفرار إلى عدد من البلدان، منها مصر. ** "زيت زيتون" سوري بصعوبة شديدة خرجت السيدة السورية لينا شاكر (40 عاما)، وأسرتها المكونة من 5 أفراد، من بلدتها في ريف دمشق، مطلع عام 2013، واستقر بها الحال في مدينة العبور بالقاهرة. وتقول لينا "ضاعف من شعوري بالمرارة عدم توافر فرصة عمل ودخل ثابت بمصر، بعد أن كنت أشغل منصب مديرة لرابطة نسوية (غير حكومية) في بلدتي". وتضيف "بعد معاناة كبيرة تمكنت من تأسيس مشروع خاص قبل عام وأربعة أشهر فقط، لإعداد أصناف الطعام السوري وتسويقه للنساء العاملات بالقاهرة". "زيت زيتون" هو الاسم الذي اختارته لينا شاكر لمشروعها ليحمل عبير نسمات الشام لعميلاتها المصريات، وهو المشروع الذي تقول إنه تحول إلى مصدر دخل ل10 أسر سورية. وبحسب إحصاء صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في أبريل 2017، فإن عدد السوريين الذين استقروا في مصر، منذ عام 2011، بلغ 120 ألف. كما يوضح الإحصاء ذاته أن الأنشطة التي نجح السوريون في إقامتها بمصر تتركز في مجالات الأغذية والملابس الجاهزة والنسيج ومستحضرات التجميل. ** يمنيون على الطريق على خطى السوريين، نجح اليمنيون في إحداث نقلة نوعية في السوق المصري، خاصة في مجال الأغذية المصنعة في المحال التجارية والمطاعم. وعلى مقعد يتوسط مدخل أحد مطاعم منطقة الدقي، يجلس اليمني محمد الصواني (23 عاما) يستقبل عملائه ليسجل صنوف الطعام على جهاز "حاسوب" مُوصل بدائرة إلكترونية بالعاملين في إعداده بالمطعم. ففي عام 2011، غادر الصواني مع عائلته مدينة الحديدة(تبعد عن العاصمة صنعاء نحو 226 كيلو مترا)، متجها إلى القاهرة هربا من النزاعات الدامية آنذاك. ويقول الصواني، إن المطاعم اليمنية تتمتع حاليا بشهرة واسعة في القاهرة، وبات زوارها المصريين أكثر من اليمنيين، حيث يفضلون أكلات "المندي" على الطريقة اليمنية. ويعتبر الصواني أن ما يؤرق اليمنيين بمصر حاليا هو ارتفاع تكاليف تجديد الإقامة، حيث بلغت مؤخرا 550 جنيها بعد أن كانت 120 جنيها كل 6 أشهر. ويبلغ عدد اليمنيين في مصر، بحسب تصريحات سابقة لرئيس الجالية اليمنية بالبلاد ماهر اليماني، 70 ألف يمني، بينهم رجال أعمال وأسر وطلاب وباحثين. ** الليبيون والاستثمارات ويرافق السوريون واليمنيون في مصر من لاجئي الصراعات المسلحة في بلدانهم، أشقاؤهم الليبيون الذين يتخذون من مدينة الشيخ زايد ومدينة نصر،، وحي المهندسين، مقرا لإقامة معظمهم في البلاد. ويقول الليبي جبريل محمد (30 عاما)، إنه جاء إلى مصر منذ عام 2012 وعمل في القطاع العقاري وحقق مكاسب كبيرة ساهمت في استقراره بالقاهرة. وأضاف محمد أن "معظم الليبيين حاليا يعيشون حياة كريمة إلى حد كبير في مصر"، مؤكدا أن أغلبيتهم يعملون في قطاعات التجارة والعقارات والبترول. ووفق تقديرات غير رسمية، يعيش حوالي 20 ألف ليبي في مصر منذ عام 2011، معظمهم يتركز في العاصمة وبعض محافظات الوجه البحري. وبحسب بيان لوزارة الاستثمار في أغسطس 2016، تتركز الاستثمارات الليبية في قطاعات البترول والزراعة والاستثمار العقاري، إضافة إلى القطاع المصرفي. *** عودة مشروطة تؤكد السيدة السورية لينا شاكر أن العودة إلى بلدتها باتت مرهونة باستقرار الأوضاع في بلادها، ومتوقفة على زيارة الأهل فقط، لتعود إلى مصر لاستكمال نجاح مشروعها الخاص. وتقول لينا إن "معظم اللاجئين السوريين يعيشون الآن حياة كريمة بعد أن استقر بهم الحال في مصر، وباتوا نادرا ما يعتمدون على معونات المنظمات الدولية". وبشعور مغاير، يتوق محمد الصواني اليمني، تزوج من مصرية فور استقراره بالقاهرة، إلى العودة لبلاده للاطمئنان على ذويه، رغم عدم استقرار الأوضاع في اليمن حتى الآن. ويتفق مع ذلك، الليبي جبريل محمد، قائلا "بلادي لا تعوض والعيش وسط الأهل لا يقدر بثمن". وأضاف محمد أنه رغم الاستقرار بمصر، لكنه لا يزال يرغب في العودة لبلاده ويتمنى نجاح جهود التهدئة بين الأطراف المتنازعة في ليبيا. *** "النجاح" الخيار الوحيد وعزا الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، أسباب نجاح معظم اللاجئين العرب بمصر إلى اضطراب الأوضاع السياسية في بلدانهم، ما يجعل النجاح هو الخيار الوحيد أمامهم. وأضاف صادق أن غالبية اللاجئين العرب في مصر من شعوب الحضارات القديمة التي قامت على التجارة، إضافة إلى أنهم ينتمون للطبقات الاجتماعية المتوسطة الذين حظوا بقدر مناسب من التعليم، وأجادوا الأعمال الحرة. فيما قال الخبير الاقتصادي، أبو بكر الديب، إن غالبية اللاجئين العرب في القاهرة كانوا رجال أعمال، وبالتالي لم يجدوا عناءً في إدارة أموالهم بشكل جيد بعد اللجوء لمصر مع توفر الخبرة. ورجح الديب تفضيل المستثمرين العرب الاستقرار في مصر إلى كونها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، إضافة إلى موقعها الجغرافي الذي يعد الأقرب للأسواق الأوروبية والإفريقية والخليجية.