إذا كان التاريخ فى تحولاته الدقيقة قد اهتم بأن يذكر أن أول حملة صليبية على الشرق كانت 1097م وترتب على هذه الحملة وما تلاها تحولات ضخمة فى مسيرة العلاقة بين الشرق والغرب. وإذا كان قد اهتم أيضًا بذكر أن العام 1258م هو العام الأسوأ الذى اجتاح فيه المغول بغداد مدمرين ومهلكين لعاصمة الخلافة. وإذا كان قد اهتم بذكر العام 1492م بأنه العام الذى سقطت فيه غرناطة. وإذا كان قد اهتم بذكر أن العام 1923م هو العام الأكثر سوءًا بانفراط عقد الأمة وإلغاء الخلافة وفصم عرى علاقة كانت من(أبر علائق الأرواح). فإن التاريخ سيذكر العام 2012م بأنه العام الذى تهددت فيه الثورات العربية بالتهديد المروع الذى تتعرض له الثورة المصرية هذه الأيام.. والتى تتطلع أعناق الأمة كلها إلى ما ستسفر عنه هذه التهديدات.. فإذا لا قدر الله سقطت الثورة بفوز (مبارك الجديد) فإن الانتكاسات وسقوط الشعوب سيعم المنطقة العربية كلها بلا استثناء ما قامت فيه ثورة وما لم تقم.. وستلقى شعوب المنطقة كلها فى (هاوية سحيقة) لا قرار لها.. سيذكر التاريخ أن الإسلاميين (تصارعوا) فيما بينهم تصارعًا (مخجلاً) بعد أن أهدت إليهم الشعوب قيادتها يأسًا من أنظمة الاستبداد والقهر. كان أول من أدرك خطورة اللحظة التاريخية، التى تمر بها المنطقة فيما يتصل بحاجتها إلى قائد موصول بتراثها وحضارتها.. هو الدكتور أبو الفتوح فأعلن من فوره ترشحه مستندًا إلى أنه السياسى القديم فى الحياة العامة، وهو ابن المشروع الإسلامى، وهو موضع ثقة أغلب الأطراف السياسية.. فحاربه رفاقه فى (الإدارة الحالية المؤقتة) للتيار الإسلامى العريض حربًا طاحنة.. ناعين على الوطن(أمنه القومى)، الذى بات فى مهب العواصف إذا ما ترشح (إسلامى) للرئاسة!! ثم تقدم الدكتور العوا للترشح مغادرًا مكانه على(ثغر الأمة الفكرى والعلمى) كأحد أهم العقول المفكرة صاحبة أدق الأدوات فى الاجتهاد.. ومرجع ضخم وضمير يقظ (لينزل) إلى معترك يا بُعد ما بينه وبينه!.. وذلك على إثر إلحاح لحوح من (شخصين قياديين) أحسن الظن بهما ولهما فى حزب تحت رعايته.. كان على الدكتور العوا أن يعلم أن (مستقبله وراءه)، كما يقال وأن أبو الفتوح يدشن لمستقبل جديد سواء فاز.. أم لم يفز.. فلم أزاحمه فى سعيه؟ ثم تقدم المحامى الشيخ حازم أبو إسماعيل معتمدًا أسلوبًا تاريخيًا فى الرواج السياسى يذكرك بالبابا أوربان الثانى فى كليرمون، فأحدث فى الواقع الجديد أحدوثات مليئة بالأسئلة والدهشة والقلق. ثم كانت(القاصمة) حين أظهرت كل الاستطلاعات أن أبو الفتوح مرشح بقوة للفوز بالرئاسة.. فكان أن سخرت(الإدارة الحالية المؤقتة) للتيار الإسلامى العريض المال والتنظيم!! لطحنه وسحقه لا ترقب فيه إلا ولا ذمة.. دونما مراعاة لدعوة أو وطن أو شعب. وقد كان من الممكن أن يحافظوا على مسافة بينهم وبينه حفاظًا على مبدأ الشورى، التى خالفها الرجل كما قيل - دون أن يزاحموه فيما تقدم لحمله.. حفاظًا على الوطن والدعوة وصونا للثورة من(الانتكاس) وإن يكن من أمر فهو إسلامى المبدأ والمنشأ والمسير والمنتهى.. وما علمنا عليه من سوء.. وإذا بهم يدفعون بالدكتور محمد مرسى أمامه بلا أى مبرر يحفظ (للإدارة الحالية المؤقتة) أى قدر من ماء الوجه أمام أبناء الدعوة الأبرار أو أمام المجتمع أو حتى أمام التاريخ.. وليت شعرى وليت الطير تخبرنى عما سيقولونه للأجيال القادمة فى مبررات هذه (الفعلة). ولو أن أحدهم (عكر) مزاجه قليلا بقراءة التاريخ لرأوا كيف كان (المعتمد بن عباد) أكثر دينًا وتقى ونقاءً وطهرًا حين وضع يده فى يد (يوسف بن تاشفين).. لكن عيوب (الإدارة الحالية المؤقتة) لا تقف فقط عند حدود الضعف السياسى.. بل يمتد الضعف إلى الوعى بالتاريخ.. الزاد والزواد لرجال الحركة والإصلاح.. سيذكر التاريخ لنجم(الوجاهة السياسية) المتبتل فى هموم الفقراء الذين دميت أقدامهم فى (العراق) و(ليبيا) ودول الخليج بحثًا عن لقمة العيش وغيرهم ممن يصبحون على البؤس ويمسون على الطوى.. سيذكر له التاريخ زعامته الفذة ومنهجيته الراسخة وفكره العميق المستند إلى قومية الأمة وميراثها العظيم.. كيف لا والتجربة الناصرية لا تزال أياديها تنعم علينا بالحرية والكرامة والرفاة والعدل.. فجميع ما عشناه فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من عز وازدهار وديمقراطية هو نبت البذرة التى تم غرسها فى الخمسينيات والستينيات!! لن أتحدث عن الفريق شفيق فهو أهون عندى من أن يكون مادة كتابة.. لكن وعى المصريين البسطاء بالزمن والدنيا سيهديهم إلى خير الوطن وثورته وأجياله المتعاقبة. ليس هناك قلق كبير..هناك بعض القلق.. لكن الأمر إن شاء الله لن يعدوا كونه (فورة النهاية) لذئاب وأفاعى الدولة القديمة.. الذين تصوروا أن شفيق سيمنحهم (قبلة الحياة). إذا كان البعض يرى أن أمامنا (طريقًا وعرًا)- لا سمح الله - يقف على ناصيته الدكتور محمد مرسى.. فهو الطريق الذى لن يلبث إلا أن يمهد ويملأ بأشجار الحرية والعدل والمحاسبة. البديل الآخر عن هذا (الطريق الوعر) هو (الهوة السحيقة) التى لا قرار لها، والتى يقف على حافتها شفيق والدولة القديمة.. لن يصعب علينا الاختيار.. لأن البديل عن الدكتور مرسى هو: الفناء الذى يجتث أصلكم فمن ذا رأى مثل ذا رأيا ومن سمع.