نجح الإعلام فى تضليل الرأى العام وبدلاً مِن أن يمارس دوره الحقيقى فى إظهار الحقائق المجردة أصبح إعلامَ مصالح ينفذ أجندات مموليه وابتعد كل البعد عن أبسط قواعد المهنية وروَّج للفاسدين وصنع الانقسام بين أبناء الشعب وأصبحنا "ثوار وفلول"، وصارت الصكوك جاهزةً للمنح، ففى اليوم الواحد تستطيع أن تحصل على أكثر من لقب تبدأ "بثائر ومناضل ووطنى وشريف وتنتهى بخائن وعميل وفل كبير"، وكل ذلك من صناعة الإعلام الذى غسل العقول ووجه القلوب وشوَّه الإسلام والإسلاميين واحتار الناس وأخذ الكل يسأل أين الحقيقة فى ظل الأكاذيب الكثيرة والحقائق القليلة التى خلطت بعضها ببعض بحيث لا تستطيع أن تفرق أو تستخلص الحقائق وإذا كان رجال الصحافة والإعلام والفكر اختلط عليهم الأمر فكيف نلوم المواطن البسيط عندما يؤيد شخصًا ونتهمه بأنه مغيب وجاهل. الصحافة هى مهنة البحث عن الحقيقة هكذا تعلمنا وتعلمنا أيضًا أن الصحفى إذا لم يعرف الحقيقة بنفسه لابد أن ينسب أى بيانات إلى مصادرها، فلقد شاهدت بنفسى التخبط الذى أحاط بمشكلة حدثت فى قرية البهسمون مسقط رأسى وكيف تمت معالجتها من مراسلى المحافظة فى الصحف الحكومية والخاصة، إذ سردوا جميعًا بيان الداخلية الذى خالف كل الحقائق، حتى أن سبب المشكلة الحقيقى لم يذكره ووقعت الأهرام كعادتها فى خطأ إضافى ولم يكلف المراسل نفسه أن يعرف أن قرية البهسمون إحدى قرى مركز إهناسيا وليست مركز الفشن، كما ذكر، والحقيقة خالفت كل ما جاء فى الصحف وهو ما أصبانى بالإحباط، وعرفت أن الصحافة أصبحت بهذه الحالة من التردى وعدم المهنية وخرجت من مهنة البحث عن الحقيقة إلى مهنة نقل البيانات المغلوطة، وتعود الواقعة إلى مشاجرة حدثت بين صبى فى الرابعة عشر من عمره من عائلة خاطر، وشاب من عائلة رمضان فى الثلاثين من عمره على أولوية المرور فى الشارع أثناء احتفال عائلة الأخير بعُرس أحد أبنائهم فما كان من الشباب إلا أن ضرب الصبى ضربًا مبرحًا أمام الجميع وهو ما يخالف العرف عن أهل القرية فجاء أقارب الصبى ليشكو هذا الشاب لأهله فتجمعت عائلة رمضان وقاموا بضرب أحد أبناء عائلة خاطر ضربًا أدى إلى وفاة هذا الرجل ونشبت المعركة وحرق من منازل عائلة رمضان وخاطر أكثر من ثلاثين منزلاً، وجاءت قوات الأمن وحاصرت القرية ولا يزال الصراع مستمرًا، وتحولت القرية الهادئة إلى ساحة للقتال والدم والنار.