على قدر أهل العزم تأتى العزائم.. وإذا طبقنا هذه المقولة على دبى فإننا نجدها ذات عزم شديد.. من منطقة صحراوية لا يسمع عنها أحد إلى منطقة حضارية عصرية ملأت أسماع العالم.. دبى موجودة فى العالم كله والعالم كله فى دبى.. هذه حقيقة يعايشها من يذهب إليها ويتجول فيها.. ورغم عالمية المدينة الإمارة فإنها لم تنسلخ عن جذورها وأصولها وتاريخها العربى الأصيل.. ميزة دبى أنها لا تعرف غير النجاح وتصر عليه حتى فى أصعب أوقاتها، فهى خلال الأزمة العالمية عام 2008 أصرت على الخروج منها سريعًا وبنجاح، رغم بعض الأضرار الجانبية لكنها تعافت وعادت للتألق فى كل نشاط تقوم به.. وحتى على مستوى المؤتمرات التى لا حصر لها التى تحتضنها فإنها توفر لها كل مقومات النجاح.. دبى قيادة عاقلة ورشيدة وحكيمة ومسئولة وناهضة.. دبى هى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس الوزراء، وهى سواعد أبنائها، الشيخ محمد بن راشد حاكم الإمارة هو سر النجاح ومهندس النهضة وبانى تلك المعجزة العربية وسط محيط عام معظمه مازال متعثر فى الخروج من التخلف، مثلاً ماذا يشغل النظام السورى الآن، وماذا يشغل دبى؟، نظام الأسد يذبح مواطنيه ويخرب ويدمر ويعيث فسادًا فى كل أرجاء سوريا، بينما حاكم دبى يخطط لمزيد من التطور والتنمية والمشاريع الضخمة.. بل ماذا كان وضع سوريا أصلاً قبل ثورتها الشعبية وماذا كان وضع دبى؟ الأولى كانت تعيش فقرًا وفسادًا وظلمًا وكبتًا وقمعًا وقهرًا، مما دفع شعبها إلى الثورة ومواجهة نظام شرس لا يعرف غير القتل، أما دبى فكانت وما زالت تبنى وتشيد وتسابق الزمن للحاق بركب التقدم والوصول إلى القمة وهو ما حصل بالفعل، ليست سورية فقط، بل كل الأنظمة العربية التى سقطت، والتى فى طريقها للسقوط أو التغيير الذى بات ضرورة، كانت تحيا فى عالمها الخاص المزرى، بينما دبى تعيش فى عالمها الخاص السحرى بالعمل والإنجاز.. الحقيقة أن دبى وصفة لابد أن تطلع عليها النظم العربية الجديدة، وهى تبدأ مرحلة البناء، إذا كتب لها فى مصر وتونس وليبيا واليمن الخروج من الأزمات الداخلية والتلاعب الخارجى لإفشال ثوراتها.. كما أن الدول الأخرى التى تستجيب نظمها لدرس التغيير من دون ثورات فى المغرب والأردن مثلاً عليها أن تضع نموذج دبى نصب عينيها إذا كانت تريد الخروج من حزام الفقر والبؤس. لماذا أكتب عن دبى؟ أكتب لأتفاخر كعربى بأن العربى قادر على الإنجاز فى أصعب الظروف وأن التخلف والكسل ليس قدره ولأن دبى نموذجًا مشعًا للانتقال من الأسفل إلى الأعلى فى عملية التنمية المستدامة، ولأن النهضة لا تحتاج إلى نفط غزير ومواد طبيعية ضخمة، ذلك أن دبى بنت نفسها من دون هذه الموارد، لأنها لا تمتلكها بغزارة إنما نهضت بالإرادة والعزيمة وبالتخطيط السليم، وبما توفر من موارد وهذا يعنى أن بلادنا ومصر خصوصًا يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه دبى من دون التحجج بفقر الموارد، علمًا بأن الموارد موجودة لكنها تحتاج إلى حسن الاستخدام والتوظيف وإيقاف ماسورة الفساد والإهدار.. أكتب عن دبى لأننى للعام الثالث على التوالى أكون أحد الحضور فى منتدى الإعلام العربى الذى يقام سنويًا منذ 11 عامًا وهو يتجدد ويتطور من عام لآخر بموضوعاته وبأفكاره وطروحاته، لا يناقش قضايا الإعلام العربى الآنية فقط بل يكون أسبق فى طرق الموضوعات الجديدة التى ما زالت بذورًا صغيرة فيبلورها فى أفكار ورؤى تنير الطريق أمام أهل الميديا. رغم التحفظ الذى يغلب على السياسة الإماراتية، إلا أن دبى هى الجزء الأكثر انفتاحًا فى تلك الدولة الخليجية الثرية التى توفر لسكانها مستوى مرتفعًا من الرفاهية. العام الماضى تطرقت دبى بشجاعة فى منتداها الإعلامى إلى الثورات العربية وكانت الثورة المصرية تحتفل بانتصارها العظيم وكانت هى عروس المنتدى ولم تكن الأمور قد آلت إلى ما حصل اليوم من محاولات لتشويه بل وإجهاض للثورة.. لم تكن هناك أى قيود على المناقشات والمداخلات، فكانت مفتوحة وحرة بما يليق بالمؤتمر العربى الأبرز والأهم على الساحة العربية، بل المؤتمر الذى بلا نظير حتى فى مصر مهد الصحافة العربية وذات التاريخ العريق فى هذا المجال. مما يؤسف له أن مصر ربما لا تكون مستعدة لتنظيم فعالية بهذه القوة والتوسع والشمول والحشد، وربما لا تكون راغبة فى ابتكار جائزة للصحافة تضاهى جائزة دبى الأشهر والتى يتوق كل صحفى عربى أن يحظى بشرف الحصول عليها، وإذا جاز الوصف، لقلنا إنها صارت "بوليتزر" الصحافة العربية. تحتاج مصر فى عهدها الجديد إلى استعادة ريادتها الإعلامية أيضًا بتنظيم منتديات ومؤتمرات إعلامية لدراسة وتشخيص مشاكل الإعلام المصرى التى زادت بعد الثورة وإلى حد الفوضى والسيولة حتى صار يضر بالوطن أكثر مما يفيد وصار مشعلاً للحرائق أكثر مما يجب أن يكون إطفائيًا وصار مسعورًا ينهش دون خجل أو حياء وصار موجهًا وملونًا ومزيفًا للحقائق والوقائع. تحتاج مصر إلى ضبط حركة الإعلام بقوانين جديدة عصرية وبمواثيق شرف واقعية وبوعى وثقافة ودراسة وعلم وفهم من الإعلاميين للدور الخطير الذى يلعبونه ويقومون به للمساهمة فى النهضة المأمولة بعد الثورة. ثم يكون الدور المصرى بعد ذلك حاضنًا للإعلام العربى وصاحب مبادرات فى هذا الشأن على قدر مبادرات دبى الناهضة المدهشة دومًا وأبدًا. علينا فى مصر وفى كل بلد عربى يريد الخروج من بؤس أوضاعه أن يدرس تجربة دبى مع تجارب النجاح فى البلدان الأخرى لنأخذ أفضل مما فيها دون خجل أو استكبار أو عقد.