أثبتت لنا حوادث الأيام، وأفعال الليالى، ما لم تفعله تجربة البرامكة ومآسى أبناء الموالى، وأصبحت لدينا ظاهرة مرعبة، هى كراهية النقد، وكان لى يا أحبابى الكرام، تجربة للكتابة فى مواقع أخرى غير "المصريون"، وفوجئت بمدى سفالة تعليقات بعض زوار المواقع، وقارئى الجرائد، اللهم إلا قراء "المصريون" الكرام، فكانت تعليقات أو بعض تعليقات تلك المواقع، تصل فيها الشتيمة ثوب الأم وتكاد تمس أصل الأب، فقررت أن أذهب عنهم مغاضبًا، وألا أحزن وأن أحافظ على سيرة ومسيرة من ربيانى صغيرًا، وفى "المصريون" كانت بعض التعليقات وأحيانًا أغلبها، غاضبة كريح صرصر عاتية، لكنها لا تحمل بذاءة، وكنت أشتبك مع القراء ويشتبكون معى، ونمسك فى خناق بعضنا، ثم ينقلب الغضب صداقة مبنية على الاحترام من قارئ رائع لكاتب متواضع، ثم بانت لى فى مجتمعنا المريض علة جديدة، يجوز لى أن أسميها "أخلاق كافرات العشير"، فلو كتبت اليوم مثلاً مقالاً أدافع فيه عن الشيخ حازم، أو أهاجم فيه منصات الإعلام الموجهة ضد الإخوان، أو أثبت فيه ضلالة سفاهات الكتبة الضالين المضللين، ممن يثبتون كل نقيصة فى السلفيين، لو كتبت هذا أجد تعليقات الغرام، ورسائل المحبة، وترفعنى كلمات بعض القراء إلى مراتب الأدباء، ويوزع المقال فى مواقع ومنتديات وصفحات ال"فيس بوك"، ويغرد به المغردون على ال"تويتر". ثم لو رأيت أنه واجب على إظهار بعض نقاط النقد، بنية إصلاح المسير والإنذار من هجوم المخاطر، إذا بمن مدحنى أمس انقلب على اليوم، وكال لى الشتائم غير اللائقة، وحتى لو كانت لائقة بى، فلا تليق أبدًا بمن ينتمون إلى دعوة إسلامية أو ممن يلتفون حول قامة داعية وشيخ، وإذا بكل جميل ينقلب قبحًا، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يطل من صفحات الصحيحين باسمًا كعادته، حكيمًا كميزان وقع موازين عباراته، ويقول- بأبى هو وأمى وولدى-:"أُريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط". قل: صلى الله على محمد، صلى الله عليه وسلم، ولم يُؤذ أحدٌ مثلما أوذى ابنُ عبد الله، ولم يُشتم أحد مثلما شتموه، ولم يقل أحد حقًا فى مواجهة باطل مثلما قال وصدح ورفع صوته فوق جبال مكة وفى طرقها. إن أولى الناس بالأخلاق، هم من يدعون إلى الأخلاق، وأولى الناس بالتقويم هم من شيمتهم ادعاء القوامة والرشد، فما بال أقوام أطلقوا العنان للحى، وقالوا إنهم يتمسكون بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، يغضبون جدًا إذا قيل لهم اتقوا الله، فاتقوا الله يا أولى الألباب، ولا تتشبهوا بأخلاق النساء، ولا تكفرن عِشرة المقال، ولا تقطفن أزهار المحبة، بل الأبلغ من ذلك، أن اتقوا الله وعودوا من ميدان التحرير، واعلموا أنه قضى الأمر الذى فيه تستفتيان وتغضبان وتعتصمان، قبل أن يلتهما شفيق، ولو لم يكن ذلك كذلك، ولم تصل النصيحة، فاعلموا أن غضبكم هو باب واسع للفتن والشرور التى ستطول كل محسوب على هذا التيار الطيب، فضوها سيرة حتى لا تكون فتنة، وهجوووووووم.