أربك قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بالاستبعاد النهائى ل 10 من مرشحى الرئاسة حسابات الأطراف السياسية فى البلاد، وفتح الباب أمام تطوراتٍ جديدة فى المشهد السياسى قبل حوالى شهرٍ ونصف فقط من الانتخابات التى من المفترض أن تنتقل بعدها السلطة إلى رئيسٍ منتخبٍ. وعلى الرَّغم من التبريرات القانونية التى ساقها أعضاء اللجنة لرفض نظر التظلمات، فإن القرار لاقى شكوكًا سواء من السياسيين أو حتى قطاعٍ من المصريين. ولعل المشكلة الأساسية فى الاستبعاد النهائى لكلٍّ من «خيرت الشاطر» و«حازم أبو إسماعيل» على وجه التحديد، هى أنهما شخصيات تحظى بدعم عددٍ من القوى ذات الحضور الشعبى الكبير، وقد يكون هذا ما دفع البعض إلى اعتبار استبعادهم بمثابة «هزة سياسية» فى مشهدٍ سياسى مازال بعيدًا عن الاستقرار. فجماعة الإخوان المسلمين كانت تراهن وبقوة على «خيرت الشاطر» القيادى الكبير فى الجماعة، وهى فى رهانها هذا تستند إلى شخصيته «الكاريزمية»، ومهاراته الإدارية والتنظيمية التى شهد بها أصدقاؤه وأعداؤه، فضلاً أنه قطع بالفعل شوطًا فى حملته الانتخابية منذ إعلان ترشحه للرئاسة. وبخروج «الشاطر» من ساحة المنافسة خسرت "الإخوان» هذا الرهان، وإن كان لم يمنعها هذا من الإعلان الفورى عن دعم «محمد مرسى» رئيس حزب الحرية والعدالة كمرشَّحٍ للرئاسة. والحقيقة أن إعلانها هذا يدل على أن «الجماعة» مصرَّة على خوض الانتخابات الرئاسية؛ وبالفعل فقد بدأت الجماعة تلقى بثقلها وراء مرشحها الجديد وكانت أول القيادات التى قامت بذلك هو «خيرت الشاطر» نفسه. ففى مؤتمر جماهيرى حاشد ب«الزاوية الحمراء» ألقى «الشاطر» وخلفه الحاضرون قسمًا على دعم «مرسى»، والاستعداد لتوعية الناس بالنزول للمشاركة الكثيفة فى الانتخابات فى حال استكمالها؛ للتصويت «محمد مرسى» بشكل قوى ومنظم، والاستعداد التام لمكافحة التزوير وشراء الأصوات وما وصفه بالقصف المحموم من بعض وسائل الإعلام، لإنجاح أحد مرشحى الفلول. «الجماعة» تعلم أنه لا وسائل متاحة للطعن فى قرارات اللجنة، ومن ثم فهى قبلت القرار باعتباره صار واقعًا مفروضًا، وتعاملت معه بالدفع بمرشحها الاحتياطى؛ فبينما قالت فى بيانها الرسمى إنها تلقت القرار "بدهشة واستغراب"، إلا أنها عادت وأكدت أن "الجماعة والحزب يعلنان أنهما ماضيان فى المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية من خلال مرشحهما الدكتور محمد مرسى بنفس المنهج والبرنامج". إلا أنه وفى نفس الوقت تبين لل«الإخوان» إمكانية تأثير الجهات الموجودة فى السلطة الآن فى قرارات اللجنة، وهو ما عبَّرت عنه تصريحات عدد من قيادات الجماعة، ولا سيما محاميها والمنسق القانونى لحملة الشاطر الانتخابية «عبد المنعم عبد المقصود»؛ حيث أكَّد قبيل قرار اللجنة النهائى أن أى قرار خلاف قبول ترشحه "سيكون قرارًا سياسيًّا ونحن نتحمل مسؤولية ما نقول وسنعلن للرأى العام خلفيات هذا القرار بالمستندات إذا صدر". وبالتالى فمن المتوقع أن تصعد الجماعة فى فعالياتها الاحتجاجية؛ لا لإجبار اللجنة على العدول عن قرارها، فهذا غير وارد إلا فى حالة حدوث تغييراتٍ تطال الإعلان الدستورى، ولكن لضمان نزاهة المراحل المقبلة من الانتخابات الرئاسية، وإيصال رسالة مفادها أن ثمن التدخل فى عملية الانتخابات سيكون كبيرًا، وهو ما يمكن فهمه مما قاله «الشاطر» فى مؤتمره الانتخابى. وكذلك يمكن إدراج الإعلان عن عزم خيرت الشاطر عقد مؤتمرٍ صحفى وُصِفَ ب«العالمى»، فى هذا الإطار، حيث ذكر الموقع الرسمى للجماعة أن المرشح المستبعد سيكشف فيه تفاصيل «مؤامرة» استبعاده من سباق الانتخابات الرئاسية، وموقفه القانونى من هذا القرار، ورؤيته خلال الفترة المقبلة. ولكن هذا جانب فقط من الصورة، فأنصار أبو إسماعيل المتحمسون كانوا متجمهرين لآخر لحظة أمام اللجنة، وأعلن حازم صلاح أبو إسماعيل عزمه على الاعتصام، وذكرت عددًا من وكالات الأنباء أن المئات من المنتمين للسلفيين بدؤوا التوافد منذ صباح أمس على ميدان التحرير لبدء اعتصام مفتوح احتجاجًا على استبعاد مرشحهم بشكل نهائى من خوض الانتخابات. وفى ظل افتقار التنظيم والمركزية، فإن غضب مؤيدى أبو إسماعيل قد يصعب السيطرة عليه، وبالفعل فإن اشتباكات عنيفة وقعت بين عناصر من الأمن والمئات من أنصار أبو إسماعيل الذين حاولوا اقتحام مقر لجنة الانتخابات الرئاسية عقب الإعلان عن رفضها جميع التظلمات. وفى كل الأحوال فإن الجمعة القادمة ستكون الاختبار الحقيقى لمقدار الغضب الذى أثاره ليس فقط قرار لجنة الانتخابات، ولكن الغضب النابع من مسار المرحلة الانتقالية حتى الآن. حتى الآن تجمع أغلب التقديرات فى الصحف المحلية والدولية على أن استبعاد المرشحين الثلاثة: «الشاطر»، و«أبو إسماعيل»، و«سليمان» سيصب فى مصلحة المرشحين «عمرو موسى»، و«عبد المنعم أبو الفتوح»، مستندين فى ذلك إلى استطلاعاتٍ للرأى أجريت وأفادت بأن أغلب مؤيدى «أبو إسماعيل» سيكون خيارهم الثانى إما «موسى» أو «أبو الفتوح»، فضلاً عن أن «محمد مرسى» المرشح الجديد للإخوان مازال وجهًا غير مألوف لكثيرٍ من المصريين. ولكن فى الحقيقة فإن فرص «محمد مرسى» تتوقف فى الأساس على مقدار ما ستسخَّره جماعة الإخوان المسلمين من مواردها البشرية والمادية لمرشحها، فضلاً (وهو أمر فى غاية الأهمية) عمَّا قد تحصل عليه من دعم من شيوخ ورموز التيار السلفى، وهو أمر قد يغير جذريًّا من معادلات انتخابات الرئاسة.