بعيدًا عن مشكلة جنسية أحد الأبوين التى يواجهها المرشَّح الرئاسى «الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل»، وما يمكن أن يترتب عليها من احتمال الخروج من سباق الرئاسة، فإنه مَثَّل حالة سياسية متفردة فى المشهد السياسى المصرى. فعلى الرغم من أن «الشيخ حازم أبو إسماعيل» كان منذ أشهرٍ قليلة خارج حسابات الانتخابات الرئاسية تقريبًا، فإنه ظهر خلال الفترة الأخيرة كمنافس قوى للمرشحين الموجودين على الساحة، فقد جاء تاليًا بعد «عمرو موسى» أمين الجامعة العربية الأسبق فى آخر استطلاعٍ للرأى أجراه مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. والواقع أن مظاهر الشعبية المتنامية ل«الشيخ أبو إسماعيل» لم تظهر فقط فى الاستطلاع المذكور، بل تجلَّت فى عددٍ من الفعاليات التى أظهرت بوضوح تأييد قطاعٍ معتبر من الجماهير له، ولم تكن أوَّل هذه المظاهر الاستقبال الحاشد للمرشح فى جامعة القاهرة، وليس آخرها المظاهرات المؤيدة له فى مواجهته التهديد بشطبه بسبب ما قيل عن اكتساب والدته الجنسية الأمريكية، والتى ضمَّت عدة آلاف وخرجت فى ميدان التحرير بالقاهرة وفى الإسكندرية وفى السويس. وعلى الرغم من لجوء منتقدى «أبو إسماعيل» إلى الإنترنت للتشكيك فى مصداقيته، وجعله محورًا للمئات من النكات التى تجاوز بعضها حدود اللياقة. فإن لحملته نشاط واسع فى فضاء الإنترنت؛ فعلى سبيل المثال جذبت صفحته الرسمية على "فيس بوك" حوالى نصف مليون شخص، فى حين شاهد مقاطع الفيديو على قناته على اليوتيوب حوالى ثلاثة ملايين ونصف. والحقيقة أن التفاف هذا العدد من المناصرين والمؤيدين حوله جاء بفضل استخدامه لخطابٍ يمزج بين تبنى المشروع الإسلامى، وتبنى «الخطاب الثورى»، وكذلك قدرته على تقديم هذا الخطاب بشكلٍ بسيط وواضح، فضلاً عن سماتٍ شخصية دفعت عددًا من الشباب للالتفاف حوله. المسوغات الثورية كانت واضحة من البداية بالنسبة، حيث وجه انتقادًا مباشرًا إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإدارته لشئون البلاد، كما كان من أبرز المطالبين بالنقل الفورى للسلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية العام الماضى، وقبل الانتخابات البرلمانيَّة، وكان هذا على خلاف المواقف الرسمية للتيارات الإسلاميَّة. كما أنه أعلن فى أكثر من مناسبة بأن استكمال الثورة ومنع استعادة النظام السابق كانت إحدى دوافعه إلى إعلان ترشحه للرئاسة فى مايو من العام الماضى، وهذا التبنى للخطاب الثورى لا شك لامس وترًا لدى قطاعٍ من الشباب ذى الحماسة الثورية، والمحسوب على التيار الإسلامى، بشكل ما كان الشيخ حازم صلاح يتفاعل مع تيار إسلامى ثورى إذا جاز التعبير. استطاع «أبو إسماعيل» أن يحسم مسألة التزامه بتطبيق الشريعة، وأن ينقل الجدل إلى كيفية تطبيقها، بدلاً من تطبيقها أو عدمه. فى إحدى حواراته، قال: "أنا أعلن لكل الناس.. أنا مختلف.. متصادم مع من يرى أن نرتكب الحرام.. من لا يريد لا ينتخبنى". وعلى الرغم من أنه يقرر وجوب ألا يكون هناك تسرع فى التطبيق الصارم للشريعة، وأن يبدأ الحاكم المسلم بتطبيق العناصر التى تلقى قبولاً واسعًا فيها. وعلى خلاف الأفكار المسبقة التى تذهب إلى أن الإسلاميين بوجهٍ عام يسوقون شعاراتٍ فضفاضة، فإن المرشح «حازم صلاح أبو إسماعيل» كان من أكثر المرشحين قدرة حتى الآن على الدخول فى تفاصيلٍ متعلقة بالجوانب الاقتصادية للبلاد، وقد لا يضاهيه فى هذا سوى المرشح «حمدين صباحى»، وإن بصورة أقل. فى حين يذهب أغلب المرشحين إلى قضايا عامة مع تجنب المسائل التفصيلية الجزئية. أعلنها«أبو إسماعيل» صراحةً فى أحد البرامج الحوارية: "أنا أصادم التمييع فى الأمور"، بوجه عام عبَّر الشيح «حازم أبو إسماعيل» عن أفكاره بوضوح، وكانت هذه من أهم عناصر جاذبيته. فى الحقيقة يبدو وكأن النجاح الذى حققه الشيخ كسياسى، يرجع إلى عدم استخدامه خطابًا سياسيًّا! وهو بهذا تميز عن خطاب جماعة الإخوان المسلمين الذى حاول الوصول إلى القطاعات غير المتجاوبة مع المشروع الإسلامى، وكذلك خطاب بعض أعضاء حزب النور المنبثق عن الحركة السلفية. ولكن يمكن فهم قدرة «أبو إسماعيل» هذه على إطلاق أفكاره دون قيود فى إطار عدم انتسابه إلى أى من التنظيمات أو المؤسسات التى قد تفرض عليه قيودًا فى خطابه وأحاديثه. هناك بعض الشخصيات التى تحظى بشعبية معقولة فى الساحة السياسية المصرية غير أبو إسماعيل، وبعضها يتصدر أغلب استطلاعات الرأى حتى الآن فيما يتعلق بحظوظ المرشحين للرئاسة، ولكن ما يميز «أبو إسماعيل» هو قدرته على تحريك وتجييش قطاع ممن يؤيده، فضلاً عن التأثير فيهم، وهذه من أهم مميزاته التى تجعله بالفعل ظاهرة سياسية جديدة!