كارثة الزلزال التي ضربت منطقة كشمير في أكتوبر الماضي وتجاوز عدد ضحاياها أكثر من 70 ألف شخص، نبهت أجهزة المخابرات الأمريكية إلى أن قنوات تمويل الجماعات الإسلامية الباكستانية مازالت تمارس نشاطها بصورة جيدة، حيث كشفت المصادر الأمريكية عن تدفق عدة ملايين من الدولارات خلال الشهرين الماضيين إلى قادة هذه الجماعات، للمساهمة في عمليات الإغاثة لضحايا الزلزال، ولم تجد الحكومة الأمريكية أمامها سوى إقناع إسلام أباد بشن المزيد من الحملات على عناصر تنظيم القاعدة والمسلحين الأجانب، الذين يتخذون من المناطق القبلية في وزيرستان، بالقرب من الحدود الأفغانية، ملجأ لهم. يوم الاثنين الماضي، استيقظ سكان وزيرستان الجنوبية على صوت المروحيات التي تحلق فوقهم، في الوقت الذي تطوق فيه قوات الكوماندوز المنطقة بأكملها، كل المؤشرات كانت تدل على أن ثمة عملية كبيرة تستهدف القبض على بعض العناصر المشتبه في علاقتها بالقاعدة، لكن قائد قوات الكوماندوز طمأن السكان بأن ما يجري مجرد تدريبات روتينية للقوات الباكستانية، لكن الوجود الكثيف لعملاء المخابرات الأمريكية، وقيام قوات الكوماندوز بعمليات توقيف وتفتيش واسعة، كان كافياً لتوضيح أهداف العملية. على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت الحكومة الباكستانية بتنفيذ هجمات مماثلة استجابة لضغوط أمريكية، وحققت درجات متباينة من النجاح، لكن حملات المداهمة والاعتقالات العشوائية في مناطق القبائل شبه المستقلة، أثارت عداوة رجال العشائر ضد الحكومة، ودفعتهم إلى التعاطف مع المسلحين الأجانب وأعضاء تنظيم القاعدة. خلال حملات المداهمة الأخيرة لمناطق القبائل بحثاً عن مسلحين أجانب، أصرت الولاياتالمتحدة على قيام السلطات الباكستانية بإجراء عمليات تفتيش صارمة ومراقبة على الحدود مع أفغانستان، في مقابل قيام عناصر من المخابرات الأمريكية في نفس الوقت بتنفيذ عمليات محددة للبحث عن مصادر تمويل أنشطة عناصر تنظيم القاعدة. عمليات الملاحقة الأخيرة من جانب القوات الباكستانية شملت اثنين من أهل العلم البارزين هما "غازي عبد الرشيد" و"مولانا عبد العزيز" إمامي أحد المساجد الشهيرة في إسلام آباد، بسبب إصدارهما فتوى خلال إحدى العمليات التي نفذتها القوات الباكستانية مؤخراً في وزيرستان، بعدم جواز الصلاة على القتلى من جنود وضباط الجيش الباكستاني المشاركين في تنفيذ الهجمات على منطقة القبائل. الحكومة الباكستانية أصدرت قراراً بتحديد إقامة الزعيمين البارزين ومنعهما من مغادرة إسلام أباد. على الجانب الآخر، أعلنت القوات الأمريكية أنها تمكنت من تحقيق انتصار هام، يتمثل في اغتيال أحد القادة البارزين في تنظيم القاعدة ويدعى "حمزة ربيع" من خلال صاروخ أطلق من طائرة أمريكية بدون طيار باتجاه أحد المغارات القريبة من منطقة القبائل في وزيرستان. وفيما فشلت القوات الأمريكية في العثور على جثمان "ربيع"، فإن مصادر في تنظيم القاعدة نفت ما أعلنته الولاياتالمتحدة وأكدت أن "ربيع" مازال على قيد الحياة. وقد رصدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أيضا أنشطة لبعض الجماعات الإسلامية في باكستان ومنها جماعة الدعوة، في مجال جمع التبرعات لأعمال الإغاثة لمنكوبي الزلزال في باكستان ولدعم عمليات المقاومة في العراق وأفغانستان، وزعمت أنها تمكنت من تتبع ملايين الدولارات التي تم تحويلها إلى أرصدة هذه الجماعات في عدد من المصارف الأجنبية، كما قامت بإلقاء القبض على العديد من المشتبه بمشاركتهم في هذه الأنشطة. الدكتور داوود القاسمي أحد المتهمين بالمشاركة في تلقي أموال من الخارج لحساب الجماعات الإسلامية، وهو خريج كليّة "داو" الطبية بمدينة كراتشي، ويعمل في المعهد الوطني لصحة الطفل بنفس المدينة، اقتحمت منذ أيام السلطات الباكستانية مسكنه وألقت القبض على أبيه وأخيه وابن أخته، وهددت نساء عائلته بالاعتقال إذا لم يسلم داوود نفسه، لكن وسائل الإعلام الباكستانية أثارت القضية ومارست ضغوطاً على الحكومة، للتعجيل بإطلاق سراح عائلة داود. وتذكر المصادر الاستخبارية الباكستانية أن بعض قادة جماعة الدعوة قد اتصلوا بالدكتور داوود، في أعقاب زلزال الثامن من أكتوبر الماضي، وعرضوا عليه تزويده بمبالغ من أجل شراء أجهزة ومعدات طبية لتأسيس مستشفى متنقل لإغاثة منكوبي الزلزال، فوافق على الفور، وانضم إليه عدد من الأطباء العاملين في بعض المعاهد الدينية بمدينة كراتشي، الذين قبضت عليهم السلطات الباكستانية بعد ذلك، إثر تلقيها معلومات من المخابرات الأمريكية بضلوعهم في عمليات تلقي أموال من جهات إسلامية في الخارج لتمويل أعمال المقاومة في أفغانستان والعراق. واقتحمت فرقة مشتركة من مكتب التحقيقات الفدرالي وقوات الجيش الباكستاني بيت داوود في السّاعات الأولى من الصباح، لكن ابنته "هانيا" أخبرتهم أن أباها ليس بالمنزل. فأخذوا يفتشون في كل مكان ثم ألقوا القبض على جميع أفراد أسرته من الذكور، وفي مقدمتهم والده الذي تعدى عمره الخامسة والسبعين عاماً، واقتادوهم إلى مركز التحقيقات، حيث مارسوا معهم كافة أساليب التعذيب، على مدى يومين، لإخبارهم عن مكان الدكتور داوود، الذي مازال مصيره مجهولاً حتى اليوم. المصدر : العصر