أغلب ظنى أن أستاذنا فضيلة الدكتور محمد عمارة عالمنا ومفكرنا الجليل يقوم بكتابة مقاله ويرسله إلى الكاتب اليسارى العتيد رئيس تحرير جريدة القاهرة الأسبوعية صلاح عيسى، ثم لا يفكر فى شراء الجريدة وقراءتها، شأنه شأن الغالبية الكاسحة من المصريين، ولو فعل ما أرسل مقالات مجدداً لهول ما يرى. لا أدرى إن كان هناك أحد فى مصر يقرأ هذه الجريدة غيرى مع قلة من محترفى النكد وحرق الأعصاب، فهى لا تهم إلا القلة القليلة التى تكتب فيها، ولو كان هناك إنصاف وتوازن فى هذا البلد لوفرت الحكومة لهذه المجموعة من الكتاب والنقاد شقة صغيرة بمنافعها يتبادلون فيها الآراء والأفكار التى تخصهم والقضايا التى تشغلهم وحدهم، توفيراً للنفقات الباهظة على جريدة تحمل هذه الأفكار والقضايا ولا يقرأها فى النهاية إلا هم وأنا والأخوة "النكديين". وهناك يبدو عمود أستاذنا الدكتور عمارة فى الجريدة وحيداً يشكو الغربة وعدم الانسجام بين كتابات وأقلام تحمل حقداً وكراهية لكل ما هو إسلامى. شعار تلك الجريدة العجيبة التى تصدرها وزارة "الدكتور شاكر عبد الحميد واليساريون الذين معه" هو قول قاسم أمين "الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأى ونشر أى فكر وترويج كل مذهب"، ولهذا استضافت المدعو راسم النفيس للترويج للمذهب الشيعى والذى دافع بجرأة فجة فى مقاله الأخير عن المجرم بشار الأسد اتساقاً مع موقفه الطائفى. لكن ما ينشر من سموم فى المقالات "كوم" وما ترسمه ريشة رسام الكاريكاتير بالجريدة المعبرة عن وجهة نظر مؤسسة الثقافة الرسمية "كوم تانى"، وما دمتُ متأكداً من أن الدكتور عمارة حفظه الله لا يطلع على الجريدة فليسمح لى باطلاع فضيلته على بعض مضامين تلك الرسوم التى أطالعها "وأنا مفروس" ومنكود، ويتضاعف نكدى عندما تقع عينى على مقال فضيلته الرصين وسط هذا "العك". ففى العدد "602" من الصحيفة رسم كاريكاتيرى لثلاث منتقبات يلبسن السواد يعلقن على ارتداء منتقبة رابعة لزى مزركش بألوان زاهية أنها "ماشية على الموضة"، وفى نفس العدد رسم آخر لسلفى ملتحٍ بجلباب أبيض وسبحة يتحدث إلى امرأة منتقبة تحت عنوان "الأخوات فى البرلمان قائلاً: "لو كنتى الأخت هدى أو منى أو نور أو أمينة رُدى"، ورسم آخر فى العدد "600" لمنتقبات يضعن أصواتهن فى صندوق الاقتراع ببطاقة كانت هى الأخرى منتقبة، وآخر لسلفى عملاق بلحية طويلة يحمل صندوق الاقتراع والمواطن بيده وهو يضع صوته ويبدو قزماً بالمقارنة مع السلفى وكُتب على الصندوق "الإسلام هو الحل"، ورسم آخر لمذيعة فى حوار مع منتقبة تسألها " تحبى تسمعى مين من الشيوخ؟" فتجيب المنتقبة "الشيخ سيد مكاوى" وفى نفس العدد رسم لمواطنين محاطين بأعداد من الملتحين وأحدهما يقول للآخر: "وتسافر السعودية ليه دا السعودية كلها جت هنا"، وفى العدد "606" رسم لرجل ينظر إلى لحية أحد السلفيين طويلة جداً وصاعدة لأعلى على هيئة الخط البيانى تحت عنوان "نتيجة الانتخابات" والسلفى يضحك قائلاً: "ولسه". وفى العدد "605" رسم لطفل يقول لطفلة وأمامهما امرأتان منتقبتان: "أنا خايف تكبرى زيهم وما أعرفش أشوفك تانى" ورسم آخر فى نفس العدد لنساء منتقبات يقلن لامرأة محجبة تكشف فقط وجهها: "استرى نفسك". وفى العدد "616" من الصحيفة رسم لاثنين من السلفيين بلحى طويلة يسيران وراء امرأة شبه عارية يحدقان فيها ويقول أحدهما للآخر: "طبعاً لو اتحجبت الحجاب يحميها من السفلة إللى عينهم تندب فيها رصاصة". كثير من الأسماء الإسلامية غابت عن تلك الجريدة بعد أن نشرت لهم بعض المقالات ليبقى الرفاق وحدهم يمرحون ويسرحون كحال وزارة الثقافة على العموم، وظل الدكتور عمارة وعموده الذى أتوقع لو قدر الله قراءته لهذا المقال أن يكون "آخر الرجال المُنسحبين" من مهزلة صلاح عيسى وشاكر عبد الحميد. لا أخشى من الجريدة ولا مما ينشر فيها فتأثيرها معدوم فى الرأى العام لكننى فقط مصدوم من مشاركة الدكتور عمارة فى كرنفال بهذا المستوى. ويأتى هذا الهجوم الشرس الذى يصل إلى درجة الوقاحة على الإسلاميين فى كثير من الأحيان كدليل آخر على ديمقراطيتهم، وذكرتنى بشارل ديجول وقصته مع جريدة "لوكنار أونشينيه" التى كانت تتناوله برسوم ساخرة بالرغم من دوره البطولى فى تحرير فرنسا من النازية، وفى أحد الأعداد خلت الجريدة من الرسم الساخر فأرسل لهم ديجول يقول: "ألم يعجبكم اليوم شىء فى أنفى؟". وسُئل ديجول عن الديكتاتورية فقال: "الديكتاتورية هى فرنسا بدون "(لوكنار أونشينيه)". من الجائز أن نقول هنا "الديكتاتورية هى مصر بدون (القاهرة)".. لكننى طالما تمنيت أن تصدر "القاهرة" بدون عمود الدكتور عمارة.