قال الخبير العسكري السوري فايز الأسمر, إن الخيارات محدودة جدا أمام المعارضة السورية بعد تقدم قوات نظام بشار الأسد والميليشيات المتحالفة معها تحت غطاء جوي روسي في المناطق التي تسيطر عليها بالجزء الشرقي من مدينة حلب. وأضاف الأسمر في تصريحات ل"الجزيرة", أنه في ظل الحصار والتجويع والقصف المستمر والأرض المحروقة وعمليات الاستنزاف لذخيرة المعارضة التي يقوم بها نظام الأسد من خلال أعمال المناوشات والتصعيد على الجبهات، سيزداد الوضع سوءا. وتابع " بمرور الوقت ستقل القدرة القتالية والنارية للمعارضة, وبالتالي يبدأ النظام بالاقتحامات البرية مع إمكانية مقاومة أقل". واستطرد " الخيارات المتاح أمام المعارضة في مثل تلك الظروف، يقتصر على الدفاع عن مواقعها دفاعا تأخيريا، وضرورة الاقتصاد في استهلاك الذخيرة والاعتماد على القنص والدفاع بعمق عن تلك المناطق والمناورة السريعة بالنار والحركة ومعرفة مسلك الشوارع والأزقة ومفترقات الطرق بأقل عدد من العناصر وتغطيتها ناريا". وأشار الخبير العسكري أيضا إلى ضرورة تفعيل الكمائن والكمائن المضادة للدبابات والإغارات الليلية على مواقع النظام واستدراجها لمناطق القتل وأيضا بناء جهاز نيران يغطي أحياء المعارضة لمحاولات الخرق وتكبيد القوات خسائر فادحة. وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية، قالت أيضا إن قوات بشار الأسد اعتقلت أكثر من 500 رجل في حي مساكن هنانو شرقي مدينة حلب, بعد سيطرتها عليه في 27 نوفمبر, ولا أحد يعرف شيئا عن مصيرهم. ونقلت الصحيفة في تقرير لها في 30 نوفمبر, عن امرأة من حي مساكن هنانو, قولها إنها لم تسمع من أبنائها وأقاربها أي كلمة بعد اعتقالهم, فيما قال أحد الرجال الذين فروا من الحي :"أخذوا ابن أخي وعمره 22 عاما وعمي البالغ 61 عاما، ولا أعرف ما إذا كنت سأراهما مرة أخرى". وأضافت الصحيفة أن قوات الأسد تعتقل الرجال في الأحياء التي تستعيد السيطرة عليها في شرق حلب, وسط مخاوف على حياتهم. وتابعت "الجارديان" أن أحد المدنيين المحاصرين في حلب عبر عن يأسه بكلمات موجعة وصادمة للغاية, قائلا :" من الصعب التحلي بالإيمان في هذه الظروف، لطالما كنا نحلم بأن يأتي أحد لنجدتنا، لكن الحقيقة هي أنه لن يأتي أحد وسنموت في هذا المكان وستموت الإنسانية معنا". وكانت قوات الأسد قصفت في 30 نوفمبر جموعا من المدنيين الفارين من أحياء حلب الشرقية, ما أدى إلى مقتل 45 شخصا على الأقل، وأكدت شهادات ميدانية انتشار الجثث بالشوارع ووجود جرحى ينزفون وسط تعطل جميع المستشفيات عن العمل. ونقلت "الجزيرة" عن نشطاء حقوقيين قولهم إن السكان المدنيين الذين كانوا يحاولون الفرار من منطقة جب القبة في حلب الشرقية استهدفهم قصف مدفعي مكثف من جانب النظام, ما أدى إلى مقتل 45 منهم وجرح آخرين. وأظهرت صور التقطها أعضاء بجماعة الخوذات البيضاء جثث الضحايا، ومعظمها لنساء وأطفال، وغطتها الدماء، وتناثرت جثث القتلى في الشوارع. وبينما يستهدف القصف المدنيين الفارين من القصف، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات الأسد اعتقلت أيضا مئات الأشخاص بعد أن اضطروا للفرار من المناطق التي تتعرض للقصف بحلب الشرقية, كما اعتقلت قوات النظام الشباب الذين سلموا أنفسهم، وإن هناك مخاوف من الزج بهم في القتال بذريعة عدم أدائهم الخدمة العسكرية في السابق. وقال المرصد إن أكثر من ثلاثمائة شخص في عداد المفقودين حاليا، وإن بعض الشبان ربما أُخذوا للانضمام لجيش النظام. ومن جانبه، دعا رئيس المجلس المحلي لأحياء حلب الشرقية بريتا الحاج حسن إلى فتح ممر آمن لخروج مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين الذين يتعرضون لقصف القوات الحكومية, وقال إثر لقاء في باريس مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت :"دعوا المدنيين يخرجون، احموا المدنيين، أمنوا ممرا آمنا لكي يتمكنوا من المغادرة". وأضاف "في الأحياء التي سيطرت عليها قوات النظام والميليشيات الإيرانية تجري عمليات إعدام تعسفية وتصفية حسابات, كل الرجال ممن هم تحت سن أربعين عاما تم توقيفهم، والنظام يمارس سياسة الأرض المحروقة لذبح حلب, ومن ثم احتلالها". وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية, قالت أيضا إن قوات نظام بشار الأسد تقترب من السيطرة على الأحياء الشرقية في حلب, وإن قوات المعارضة فيها تعيش أيامها الأخيرة, حسب تعبيرها. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 28 نوفمبر, أن آخر محاولات المعارضة السورية المسلحة لفك الحصار عن حلب الشرقية كانت انتهت إلى فشل الشهر الماضي، ولا يوجد حاليا غير طائرات نظام الأسد, التي تقوم بحرق الأرض. وتابعت " في ظل تناقص مخزونات الطعام وتساقط البراميل المتفجرة من السماء, يتساقط عشرات المدنيين قتلى وجرحى كل ساعة في الأحياء الشرقية من حلب, فيما وجهت الأممالمتحدة نداء يائسا لعدم المساس بالمدنيين في الوقت الذي بلغت فيه المعركة في المدينة ذروتها". وأشارت الصحيفة إلى أن ما ساعد نظام الأسد وروسيا في التقدم للسيطرة على كامل حلب, أن العالم الخارجي يكتفي بدور المتفرج، خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة, وإعلانه أنه سيعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا, ولا يعتزم تقديم مزيد من الدعم للمعارضة السورية المسلحة. وكانت "رويترز" نقلت عن مسئول كبير في التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة بسوريا, قوله في 29 نوفمبر إن جيش الأسد والمتحالفين معه يهدفون لانتزاع السيطرة على شرق حلب بالكامل قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب السلطة في يناير المقبل. وأضاف المسئول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن نظام الأسد والمتحالفين معه ملتزمون بجدول زمني تؤيده روسيا للعملية بعد تحقيق مكاسب كبيرة في الأيام الماضية، وأكد أن المرحلة التالية من حملة حلب قد تكون أشد صعوبة مع سعي جيش الأسد وحلفائه للسيطرة على مناطق أكثر كثافة سكانية بالمدينة. وتابع المسئول ذاته "الروس يريدون إكمال العملية قبل تولي ترامب السلطة"، مشيرا إلى أن جدولا زمنيا كانت مصادر مقربة من دمشق قالت في وقت سابق إنه وضع لتخفيف مخاطر أي تحول في السياسة الأمريكية تجاه الحرب في سوريا. وكان ترامب قال أثناء حملته الانتخابية إنه ربما يتخلى عن دعم المعارضة السورية التي حصلت على مساندة عسكرية من دول بينها الولاياتالمتحدة، وإنه قد يتعاون مع روسيا للتصدي لتنظيم الدولة في سوريا. بعد تنصيبه في 20 يناير المقبل. وحسب "الجزيرة", خاضت المعارضة السورية المسلحة في 29 نوفمبر قتالا ضاريا لوقف تقدم قوات الأسد لمسافة أعمق في المنطقة التي تسيطر عليها، إذ واجهت الفصائل المسلحة الموالية للأسد التي سعت لاقتحام المنطقة من الجنوب الشرقي. واخترقت قوات النظام المدعومة من فصائل شيعية مسلحة من إيران ولبنان والعراق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من الشمال الشرقي قبل أيام. وقالت وزارة الدفاع الروسية في 29 نوفمبر إن نظام الأسد والميليشيات المتحالفة معه سيطروا على نصف مساحة الأحياء الشرقية, فيما قال قادة ميدانيون في المعارضة السورية المسلحة إن قوات النظام وحلفائه اجتاحوا جزءا من المناطق المحاصرة في حلب بعدما استقدموا تعزيزات كبيرة، وبعد قصف جوي ومدفعي عنيف ومستمر على مدى أسبوعين. وقالت "رويترز", إن لمدينة حلب أهمية بالغة للمعارضة السورية التي سيطرت على أجزاء منها لأول مرة عام 2012، وتنذر خسارتها بانقلاب كامل في الوضع الميداني لمصلحة نظام الأسد، خاصة أن فصائل المعارضة تخسر أيضا بالتوازي مناطق في ريف دمشق وريف حمص وريف حماة وريف اللاذقية وغيرها. وخلال الأيام الماضية, تقدمت الميليشيات الشيعية الموالية للنظام السوري وبقايا قواته المسلحة تحت غطاء روسي في مناطق المعارضة السورية في حلب الشرقية, التي يوجد فيها حوالي 260 ألفا من المدنيين المحاصرين، وعدة آلاف أو مئات من المقاتلين المنهكين بسلاحهم الخفيف, فيما يسقط عشرات القتلى من المدنيين يوميا جراء المجازر المتواصلة ضدهم, سواء بالحصار أو بالقصف. فمعروف أن التقدم الذي حققته قوات الأسد, سبقه ورافقه قصف همجي بجميع أنواع الأسلحة، وقبل ذلك كله حصار خانق لأشهر بعد السيطرة على منافذ حلب, وعدم نجاح المعارضة خارج المدينة في كسر الحصار بعد محاولتين لم يكتب لهما النجاح.