كانت هذه الكلمة تصلح عنوان مقالة ، أو على الأقل تعليقاً مرسلاً على آخر مقالات الأستاذ العزيز جمال تلك التي أقامها على حوار المتحدث الرئاسي الأسبق ياسر علي.. ثمّ ردّني عن ذلك ما علمت في الأستاذِ من خير وفضيلة، بل ودفاعٍ مجيد عن السوريين ، وتذكّرت قول الشاعر: لئن تبتئس بالشنفرى أمّ قسطلٍ .. لَما اغتبطت بالشنفرى قبلُ أطولُ ولطالما أسعدنا الأستاذ بروحِه وفكره وإنصافه ، فرأيتُ أنّ أقربَ الطرقِ إليه بريده الذي ذيّل به المقال.. وأنا ذاكر لكم بعض الهنات فليتسع لها صدرك ، فإنّ العصا قُرِعت لذي حلم! 1- جعلتم كلمة "الهراء" بين قوسي تنصيص وهذا يوهم أنها من كلام ياسر علي ، وقد تتبعتها في حواره المذكور مع قناة الجزيرة فلم أجد لها أثراً ، وأكبرُ قوله : " ما يتم تداوله مبني على نقل شهادات غير دقيقة" ، وعلّق على بعض العبارات السوقيّة التي نسبت إلى الرئيس بأنها " مكذوبة عليه" .. فلو تكرمتم بإزالة التنصيص عن الهراء حتى يُفهم في سياقه.. 2- قلتم : " اعترف في الحوار بأن جماعة الإخوان لم تكن مؤهلة لتولي رئاسة الجمهورية" . وهذا نوع من الاقتطاع والليِّ الصحفي لأن غير المؤهّل هو القاصر، فهل أقرَّ على جماعته بأنها قاصرة ، الذي قاله في هذا الصدد : " لم نكن في تمام الجاهزية لتولّي المسؤولية " وأضاف : " لم نكن جاهزين لملفّات كثيرة ومنها ملف العلاقات الإقليمية"، وأكّد بأنّ هذا لا يعني اتهام الرئيس بالقصور ، وكان كلامُه بعد أشياء من قبيل أنّ الجميع بمن فيهم الحرية والعدالة وجدوا أنفسهم بعد ثورة يناير في مواجهة تجربة جديدة غير مسبوقة من العمل السياسي وتداول السلطة تأرجحوا خلالها بين سقف الطموح وأرض الواقع ، فكان من المحتم وقوعهم في الخطأ.. وركّزَ كثيراً على ملف العلاقات الخارجية فهو يرى أنه الثغرة التي أُتِيت الجماعة من قِبلها .. 3- قولكم : " اعترف ضمنيا بأن 30 يونيه كانت تعبيرا عن تيار شعبي جارف صعب على مرسي مواجهته، وبالتالي فهو ليس "فوتوشوب" كما كان الخطاب الإخواني المعتمد سابقا ".. وأظنّ أن الضمنيّة لها قواعد أيضاً وليست منهلاً مُستباحاً، فسأثبت نصه الآن لنستخرج عبارته وإشارته الضمنية : يقول ياسر علي: " حين وصلنا إلى يونيو/حزيران 2013 كانت قطاعات كبيرة من المجتمع المصري -ونتيجة لأسباب كثيرة- بدأت تشعر بخوف حقيقي، لكن ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 هو نتاج أزمة إقليمية أكثر من كونه ناجما عن مشاكل اقتصادية وسياسية داخلية، وسببه ما أشار إليه حوار الدبلوماسي عن ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية وملف دعم الثورة السورية وترتيب الإقليم وفق الرباعية. لم يكن هناك ما يحول دون ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 إلا وجود مجتمع قادر على حماية اختياره، لكن تأثر المجتمع المصري بالحملات الإعلامية التي أربكت المشهد السياسي حال دون حماية التجربة الديمقراطية وأدى إلى وأدها في سنتها الأولى" . أين في كلامه الإقرار بأنّ ثلاثين يونيو كانت تياراً شعبياً جارفاً؟ هناك مقدمتان أقرّ بهما ونتيجة أيضاً ، المقدمة الأولى أن قطاعات كبيرة من المجتمع المصري بدأت تشعر بخوف حقيقي، والمقدمة الثانية أن المجتمع المصري تأثّر بالحملات الإعلامية ، ونتيجة المقدمتين التي أقرّ بها كذلك أن المجتمع المصري لم يعد قادراً على حماية اختياره وأن هذا المجتمع لم يحُل دون ما حدث في 3 تموز.. هذا منطوق كلامه ، وعدم حيلولة الشعب دونما حدث في تموز لا يعني ضمنيّاً أن هذا الشعب خرج بملايينه الجارفة مؤيداً للجيش في مواجهة مرسي .. كلامٌ غاية مقصوده السلبيةُ ومن الظلم تحميله فوق ما يحتمل واعتباره إقرارا بتيار شعبي جارف مبرأٍ من الفوتوشوب هبّ لإسقاط مرسي تلك الليلة! وبناء عليه لو اعتبرَ أن سبب هذه السلبية مشكلاتٌ مختلقة وحملاتٌ إعلامية منظمة أثرت في معنويّات الشعب وقعدَت به عن صون اختياره ، أيكون في هذا اتهامٌ بعمالة الشعب لإسرائيل أو انخداع بالمؤامرة ؟ لا أظن ذلك ، إنما هي السلبية التي سببها الخوفُ وارتباك المشهد كما عبّر هو عن ذلك. 4- تفضّلتم بأنه ليس لديكم مهارات في النقد الأدبي لتحلّلوا اختيار الدكتور مرسي لوزير الدفاع السيسي اختيارا حرّا بناء على القواعد الوظيفية في الجيش و"أنه كان مقتنعاً أنه لا أحد في المؤسسة العسكرية يضمر شرا للتجرية الديمقراطية في مصر".. فأما مسألة القواعد الوظيفية التراتبية في الجيش فليست بدعاً من القول ولا بديعاً فيحتاج إلى نقد أدبي، بل هو معلوم من الجيش بالضرورة .. وإما إحسان الظن بالجيش فإنه يتكلم عن قناعات ما بعد يوليو حيث " الشعب والجيش إيد واحدة" وليس عن قناعات اليوم التي تربّع الجيش بها على كرسيّ الديمقراطية .. وقد ذكر أنّ مرسي كان مدركاً لخلاف الرؤى مع المؤسسة العسكرية ، ولكنه كان يستبعد اعتداءها على التجربة الديمقراطية .. فقد تحتاج هذه المسألة إلى نقد علمي مهرَ فيه الأستاذ جمال وليس إلى نقد أدبي. 5- قولكم الأخير: " الحقيقة أنّ أي كلام سيعلق به معلّق على هذه العبارة لن يكون لائقا ولا محترما" .. فهذه العبارة هي قول المتحدث إن الرئاسة كانت بعيدة عن الاتصال بالإخوان كنخب في الجماعة والحزب ، وأن مرسي كان مستقلا عن مكتب الإرشاد إلى حد حدوث خلاف مع الإخوان في بعض القرارات.. وعكسُ هذه العبارة أن مرسي كان يسيّر مصرَ بوحيٍ من مكتب الإرشاد أو بتأثيرٍ منه، وهذا ما اجتهدت الأحزاب الأخرى في ترديده واجتهدت الرئاسة في نفيه وكان الطريق بين الرئاسة والإرشاد ملء العين والسمع ، فهل إذا أكد المتحدّث النفيَ أصبح كلامُه لا يُعلّق عليه بل يُهدَّد بالتعليق غير المحترم! لا أستطيعُ تخيّل الأستاذ جمال وهو يحمل بلطةً أدبيّة لم نعهدها عليه من قبلُ، يفصل بها الجسمَ عن هامِه والحديث عن تمامه .. فارجعوا إلى قلمكم وطبعكم الأوّل يرحمكم الله .
وختاماً فقد كان بعض أهل الشام يقولون: مالي وللمسير خلف العِيرِ.. لا ناقتي فيها ولا بعيري ولكني سِرتُ حتى سَريتُ! حرصاً عليكما وعلى المسيرة النقدية . فتقبلوا تحيتي .. أخوكم : د. مصعب حمود