قد تبدو مشكلتى غريبة ولكنى متأكدة أنها ليست مشكلتى وحدى، أنا زوجة وأم لأربعة أطفال أعيش مع زوجى فى وئام منذ خمسة عشر عامًا فى مدينة الإسكندرية وحولى أهله جميعًا إخوته وزوجاتهم وأخته الوحيدة وأسرتها، عند بداية زواجنا كان والديه يعيشان معنا وقد خدمت والدته فى مرضها عدة أعوام دون مساعدة من أخته، التى تسكن بجوارنا وتوفيت رحمها الله على صدرى وهى تدعو لى ولأولادى، أما والده فقد توفاه الله بعد رحيل زوجته بشهور دون مرض أو تعب، يعمل زوجى مهندسًا حرًا وحالتنا المادية مستقرة ولله الحمد، ولحسن خلق زوجى وتدينه فإن علاقاتنا بأهلى وأهله وجيراننا ومعارفنا كلها علاقات طيبة، أما أنا فقد تركت عملى كمدرسة منذ أن رزقنا الله بطفلى الأول وتفرغت تماما لبيتى وأسرتى، كانت أسرتى الصغيرة مضرب المثل فى السعادة والتوفيق وبيتنا هو ملاذ وملجأ كل الأهل والمعارف، لا أتذكر أننا اختلفنا يوما رغم أن هناك ظروفًا عصيبة كثيرة مرت بنا، إلا أننا كنا نواجهها بالصبر والتكاتف والمحبة. بدأت المشكلة منذ عام ومع بداية ثورة 25 يناير فى صورة خلاف فى وجهات النظر بينى وبينه، فأنا أنتمى لعائلة ثورية إن صح التعبير ووجدت أننى أؤيد الثورة وأتحمس لها منذ اللحظة الأولى، أما زوجى وأسرته فعلى العكس تمامًا، فى البداية قالوا (الخروج على الحاكم حرام) وكانوا من مؤيدى مبارك وكنت أنا المختلفة الوحيدة بينهم، بدأ الخلاف يعرف طريقه لبيتنا ونبات متخاصمين ونتبادل الاتهامات، وعندما عرف زوجى أن أخى فى التحرير ثار واتهمه بأنه مخرب وفوضوى ودافعت عن ظلمه لأخى الملتحى المتدين وكبرت الخناقة وتدخل أهله فيها وانتهزت أخته الفرصة وأخذت تثيره ضدى وتذكره بكل هفوة أو تقصير صدر منى من قبل مما جعلنى أرد على افترائها ونشبت بيننا خناقة كبيرة انتهت بالقطيعة بيننا، شعرت بالحزن الشديد لأن زوجى نصر أخته على وحملنى مسئولية ما حدث وكان يذهب إليها ويسترضيها ويعود بوجه غاضب حانق. وبعد نجاح الثورة وتنحى مبارك سادت مشاعر الإحباط عائلة زوجى، بينما اجتاحت الفرحة والنشوة بالثورة أسرتى، وكانت تلك الفترة بالذات شائكة ومليئة بالمشاكل. أصبحت أشاهد التليفزيون وأقرأ الجريدة فى غيابه وأتظاهر بتجاهل الأحداث فى حضوره منعًا للمشاكل، وتغيرت نظرتى له رغمًا عنى. مرت شهور بعد ذلك وأنا أحاول تجنب الحديث معه فى الشأن العام وقاطعتنى أخته تمامًا ورفضت محاولات الصلح، ولكن بعد ذلك تجدد الخلاف بيننا حين قرأ زوجى ما يكتبه ابنى الكبير على صفحته فى الفيس بوك وعنف الولد تعنيفًا شديدًا وقام بإلغاء الإنترنت وعاقب الولد وجعلنا نبيت ليلتنا فى بكاء ويأس.. واتهمنى أيضًا بأننى السبب وراء أفكار ابنى الهدامة وانشغاله بسخافات أخى عن الدراسة. كل يوم تزداد الهوة بينى وبينه وقد أصبحت علاقاتنا داخل البيت سطحية روتينية يسودها التشكك والتحفز وأصبحت أشعر بالضيق والهم بمجرد رجوعه للبيت بعدما كان قلبى يرقص من الفرح عند سماع صوت سيارته، صار هو متباعدًا كثير التواجد خارج البيت عند إخوته ونشأ نوع من العداء الخفى بينى وبين أسرته. كرهت الإسكندرية كلها ولم أعد قادرة على البقاء فيها أو التعامل مع أسرة زوجى، بل إننى أتعامل معه هو نفسه من تحت الضرس. أليس من حقى أن تكون لى شخصيتى المستقلة وأتبنى الأفكار التى أقتنع بها؟ أم أن الزواج معناه محو كيانى وتحولى لأمة ذليلة تحت قدمى زوجى وأسرته، حتى السجناء تظل أفكارهم حرة محلقة، فكيف يعتقل أفكارى ويصادر وجهة نظرى، لن أستطيع أن أقول عن شىء أبغضه أننى أحبه وإذا نافقت زوجى وأسرته سأفقد احترامى لنفسى. أرجو ألا تهملى مشكلتى فأنا أشعر بالوحدة والبؤس والإهمال، بل إننى أفكر جديًا فى الطلاق بعد أن اكتشفت أننى لا أساوى شيئًا عند زوجى وأهله وأن السعادة التى عشتها من قبل كانت وهما صنعته بتضحياتى وخدماتى المجانية للجميع وفى أول خلاف بسيط توحدوا جميعًا ضدى وأشعرونى أننى غريبة ذليلة، أتمنى أن أعود إلى القاهرة وسط أهلى وأسترد كرامتى وحريتى السليبة، ولكن أولادى ومستقبلهم هم المانع الوحيد أمامى، أنا لست سياسية ولا مصلحة اجتماعية بل مجرد ست بيت عادية ولكنى كنت أتمنى أن أشعر باحترام الناس الذين أعيش معهم ووهبتهم كل شىء وما يخيفنى اليوم أننى فقدت ثقتى فيهم وأحسست أنهم ليس لهم أمان وأنهم سوف يتخلون عنى لو أصابنى مرض أو واجهت أية مشكلة. الرد هونى على نفسك فأنت كما قلت لست زعيمة سياسية بل ربة بيت يأتى الشأن العام على هامش اهتمامك، ولكنى أوافقك أن مشكلتك ليست غريبة، نحن فى سنة أولى سياسة وسنة أولى حرية، ولذلك نتناحر ونختلف ونتخاصم كثيرًا، صارت تلك الخلافات تفرق بين الإخوة والأصدقاء لأننا لم نتعلم أدب الحوار ولم نفهم مقولة (إن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية) نرددها ولا نطبقها. كان من الواجب على زوجك وأهله أن يقدروا غربتك بينهم وحسن عشرتك لهم وبيتك المفتوح أمامهم جميعًا، ولكن لا بأس صفى نيتك تجاه زوجك وتعاملى معه فى إطار مصلحة البيت والأولاد وتناسى ماحدث ولا تقيسى على تلك المواقف ما يمكن أن يحدث فى حال مرضك أوتعبك فهو قياس غير سليم. أكثرى من الدعاء بصلاح الحال وما دام زوجك رجلاً صالحًا وحسن الخلق فهى سحابة نكد وسوف تمر، احرصى على ضبط انفعالك ولا داعى لاستفزازه وتجنبى كل أسباب الخلاف. اصرفى فكرة الطلاق عن ذهنك تمامًا، وتأكدى أن عودتك لأهلك فى القاهرة لن تكون سعيدة ووردية كما تتخيلين فأنت أصبحت إنسانة مختلفة لم تعودى شخصًا فردًا بل أما لأربعة أطفال لا يمكنك أن تخذليهم وتهدمى بيتهم وتدعيهم يتمزقون بينك وبين أبيهم من أجل آرائك الثورية. بعض الهدوء والواقعية والصبر الجميل.