على الإنسان أن يختار جُلساءهُ وأصدقاءه بحذر شديد لأنَّ المعرفة بين الجُلساء تتدفّق وتندمج سريعًا مما له بالغ الأثر. فالجليس الصالح لا يأتيك منهُ إلّا الخير، فالصاحب هو الذي يصحبك إلى طريق الخير أو يهوي بكَ في مهالِك الشر. وقد بيّن الرسول صلّى الله عليهِ وسلّم الفرق بين الجليس الصالح والجليس السيء في الحديث الشريف: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ والسَّوءِ، كحاملِ المسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ: إمَّا أن يُحذِيَكَ، وإمَّا أن تبتاعَ منهُ، وإمَّا أن تجدَ منهُ ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ: إمَّا أن يحرِقَ ثيابَكَ، وإمَّا أن تجدَ ريحًا خبيثةً). فما المقصود بنافخ الكير الكير، وهو كِير الحدّاد ونافخ الكير هو الحدّاد، الكير هو الزقّ أو الجلدٌ غليظ ذو حافّات، وهو الذي ينفخ فيه الحدّاد، والجمع أكيار وكِيَرة، فهو إذن الزقّ الذي ينفخ فيه الحدّاد على الحديد في وقت الصهر والتشكيل، وهذا الكير يقوم بطرد الشوائب من الحديد عند النفخ، وقد يعترض الشخص الجالس عند الحدّاد الذي ينفخ الكير أن يُصيبه بعض الصُّهارة التي تحرق لهُ ثوبه أو قد تؤذيه ريح الخبث من الحديد والكير، وهذا تشبيهٌ بليغٌ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنَّ المُجالس للرجل السيئ لا ينالهُ منهُ إلاّ الأذى ولا يُحيطُ بهِ إلاّ ما يؤذيه ويضرُّه. وبالمقابل فإنَّ الّذي يُجالس أهل الخير وأهل الإيمان والأخلاق الحميدة كأنّهُ عطرٌ جميل كالمسك، فأنت حين تُجالس الطيّب من البشر كأنّك تتنسّم الطيّب من شذى العطور وأريجها فلا بُدَّ أن يعلق بثوبك هذا الطيب وهذا العطر أو تتنفسّه فينشرح به صدرك.