يبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بدأ يشعر باقتراب "الربيع العربي" من بلاده أكثر من أي وقت مضى, ولذا سارع للإعلان في مطلع فبراير عن استعداده لفتح حوار جديد مع أحزاب وقوى المعارضة. وأضاف ولد عبد العزيز في تصريحات لقناة "الجزيرة" أنه مستعد لحوار المعارضة دون محظورات ولا ممنوعات, وتعهد بأن حكومته لن تتابع أي أحد على أساس آرائه ومواقفه السياسية، قائلا :" من أراد أن يكتب فليكتب، ومن أراد أن يعبر عن رأيه فليفعل". وبالنظر إلى أن هذه أول مرة يعبر فيها ولد عبد العزيز عن استعداده لفتح حوار جديد عقب الحوار الذي جرى خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين مع أربعة أحزاب معارضة، فقد ربط كثيرون هذا التطور بتصاعد الضغوط عليه في الأسابيع الأخيرة لإدخال إصلاحات سياسية حقيقية, خاصة بعد "فضيحة" نجله بدر. فمعروف أن ولد عبد العزيز واجه في الأيام الأخيرة موقفا حرجا على إثر اتهام نجله بدر بإطلاق النار على فتاة تدعى رجاء بنت اسياد في 22 يناير الماضي, ما أثار استياء الرأي العام في البلاد, بل ووصف البعض تلك الحادثة بأنها دليل على استهتار أبناء المسئولين الكبار بحياة الآخرين. وكانت مصادر مطلعة في نواكشوط كشفت في 26 يناير الماضي تفاصيل حادثة اعتقال نجل الرئيس الموريتاني, قائلة: "بدر نجل الرئيس كان يقود سيارته مع صديقيه في 22 يناير, عندما صادف صديقته السابقة رجاء بنت اسياد التي انضمت إليهم". وتابعت "خلال الحديث أخرج بدر مسدسه ممازحاً, وقال لصديقته السابقة: ما هو رأيك لو أطلقت عليك رصاصة؟ فردت الفتاة بالقول: أنا عربية أصيلة ولا يخيفني الرصاص, وفجأة انطلقت الرصاصة فأصابت صدرها وتم نقلها على الفور إلى المستشفى". واعتقلت قوات الأمن الموريتانية على الفور نجل الرئيس بعدما كشف والد الفتاة المصابة أن ابنته أبلغته وهي على سرير المستشفى بأن بدر هو من أطلق عليها الرصاص, كما أصر بدر الذي قام بتمثيل الجريمة أمام النيابة على تبرئة صديقيه وتحمل مسئولية إطلاق النار لوحده. ورغم أنه تم الإفراج عن بدر بعد خروج الفتاة من العناية المركزة وتنازل والدها عن القضية, إلا أن الحادثة لم تمر مرور الكرام, حيث أعلن الناشط الحقوقي الموريتاني بيرام ولد أعبيدي في 31 يناير الماضي عن تشكيل مجلس انتقالي يهدف لإنقاذ البلاد مما يصفه بالمأزق الحقيقي الذي تعيشه على مختلف الصعد. وقال ولد أعبيدي لجمع من أنصاره في العاصمة نواكشوط إن أطرافا سياسية أبدت استعدادها حتى للانخراط في المجلس الجديد، وإن هناك اتصالات تجري مع أخرى للالتحاق به قبل الإعلان عنه بشكل كامل. وتابع أن الأطراف المشكلة للمجلس تمهل النظام الحاكم ثلاثة أشهر للاستجابة لجملة مطالب، من بينها رفع الحظر عن المنظمات غير المرخص لها، ورفع اليد عن القضاء ووسائل الإعلام العمومية، ووقف سياسة السجن العشوائي التي ينتهجها النظام ضد خصومه السياسيين . واستطرد ولد أعبيدي "من المطالب كذلك البدء في حوار جاد وصريح مع قوى المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان لإخراج البلاد بسلاسة ومسئولية من المأزق الذي تواجهه", وحذر من أنه إذا لم يستجب النظام في ثلاثة أشهر للمطالب السابقة, فإن الهدف حينئذ سيكون إسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي مكانه, داعيا جيش بلاده والعالم العربي والأمم المتحدة إلى مساعدة الشعب الموريتاني في نضاله ضد "الديكتاتورية والاستبداد". كما انتقد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الأوضاع السياسية والاجتماعية التي آلت إليها أحوال البلاد بعد أكثر من ثلاثة أعوام من حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، مستبعدا استعداد النظام الحالي لتحقيق إصلاحات تستجيب لتطلعات المواطنين. وقال محمد جميل منصور، رئيس حزب تواصل ذي الخلفية الإسلامية, في تصريحات له في 31 يناير الماضي أيضا إن البلد اليوم يعيش أزمة مركبة سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة. واعتبر فشل الحوار بين الحكومة وأربعة أحزاب معارضة في سبتمبر وأكتوبر الماضيين مظهرا من أبرز مظاهر الأزمة السائدة, حيث تجنب هذا الحوار التطرق للمسائل الأساسية مثل الحد من صلاحيات الرئيس وتوزيع السلطات بين مؤسسات الدولة واستقلالية القضاء وإبعاد الإدارة والقضاء عن الاستغلال والتوظيف السياسي ضد الخصوم، والفصل بين الجيش والسياسة. وبصفة عامة, يجمع كثيرون أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز في وضع حرج للغاية على إثر تصاعد انتقادات المعارضة لسياساته, ولذا فإنه لا بديل أمامه سوى الإسراع بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية قبل انتقال عدوى "الربيع العربي" إليه.