إطلالة على حياة الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، وجولة بين كتبه وأعماله الإبداعية، كانت محور اهتمام الحلقة الماضية من برنامج عصير الكتب الذى يقدمه الكاتب الصحفى بلال فضل، ويذاع على قناة دريم 2. بدأ البرنامج فقراته بلقاء الكاتب مختار أبوسعدة صاحب كتاب «أسامة أنور عكاشة: أسراره وحياته» قال مختار: «كان الكاتب أسامة أنور عكاشة محبا لمصر، وأهلها، حتى إنه رفض الحياة المرفهة فى الكويت، والتى سافر إليها ليعمل، وكان يتقاضى راتباً يساوى 900 جنيه، وكان مبلغا كبيرا، كى يعود إلى مصر، حتى إنه اضطر إلى كسر الدولاب الذى تحتفظ فيه الإدارة بجوازات السفر، بعد أن تم رفض استقالته، ليعود بعد ذلك إلى مصر، ويعانى من نظرة المجتمع له، ولسلوكه، حيث وقتها كان الناس الذين يسافرون إلى الخارج يعودون ليبنوا بيوتا، لكنه كان خالى الوفاض حتى إنه تحول إلى «معيرة» لأبيه وأهله، وأصحابه». وردا على تساؤل «بلال» حول الأعمال السينمائية المجهولة، والتى لم يكن يحتفظ فيها أسامة نفسه، بنسخة خاصة له، قال مختار أبوسعدة: «هناك أعمال تليفزيونية كثيرة منها، مسلسل «سلمى» والذى يدور حول قصة بنت لبنانية عاشت مأساة حرب لبنان، ولكنها قررت أن تسافر إلى مصر، وتعيش فيها، لكنه بالرغم من عرض المسلسل، فإنه لم يجد الاهتمام الكافى، وقد يكون ذلك لكون القصة حزينة، فلم تلتفت إليها الأنظار وقتها وقد كان الهدف منه أن يواجه الإنسان مشكلاته ويحتويها». وأضاف: «كانت شخصية كاتبنا الراحل شخصية مميزة، فلم يكن يقبل الفشل، وكان دائما ما يرى أن الفشل مرة أولى لابد أن يتبعه فشل ثان وثالث حتى يتحقق النجاح، حتى إن بعض الناس الذين يتصورون أن كل أعماله الدرامية مع يحيى الفخرانى مسلسلات ناجحة، لم يكن تصورهم أمراً صحيحاً، فقد فشل أول مسلسل درامى له مع الفخرانى فشلا ذريعا وكان اسمه (ريش على مافيش)». وعن حياته، قال: «أسامة عمل بعد تخرجه فى كلية الآداب مدرسا فى مدرسة أحداث ولكنه بعد 3 شهور من العمل قرر ترك وظيفته بعد أن اكتشف سرقة راتب ال3 شهور، ثم عمل بوزارة التربية والتعليم، إلى أن تم فصله بعد عمل محاكمة تأديبية له بسبب خناقته مع أحد مفتشى التربية والتعليم». وأضاف: «على الرغم من مشكلاته ومعاناته المتتابعة فإنه كان يمتلك إرادة حقيقية بأنه مادامت الحياة مستمرة فإن الفشل خطوة من خطوات النجاح، وقرر أن يترك عمله بمقر محافظة كفر الشيخ كى ينتقل إلى القاهرة، ونقل عمله إليها كموظف بجامعة الأزهر، كى يتمكن من الاستمتاع بالكتابة، لكنه عانى وقتها من ضيق الحال، حتى إنه لم يمتلك ثلاجة فى منزله، وكان أولاده يعانون من ضيق أحواله، إلى أن قابل صديق جامعته المخرج فخر الدين صلاح، وكان عائدا وقتها من ليبيا وعرض عليه أن يكتب سيناريو، يموله هو ويخرجه، بعد أن كانت إحدى قصص عكاشة قد تم تحويلها إلى حلقة تليفزيونية». وتعقيبا على كلامه، قال «بلال»: إن ما يميز أسامة أنور عكاشة أنه لم يكن كاتبا فقط، وإنما كونه صاحب مبدأ ومنهج وفلسفة»، لافتا إلى أن كتاب «أسامة أنور عكاشة: أسراره وحياته» يضم معلومات كثيرة حول عكاشة، ومعاركه الكثيرة التى خاضها مع الرقابة والصحف والنجوم. وفى الفقرة التالية، قدم «بلال» لقاء مسجلا مع الأديب الراحل أسامة أنور عكاشة فى فقرة الروشتة التى تكلم فيها عن واقع الكتاب وأهميته، قائلا: «من واقع الخبرة نعتقد أن مشكلة الأجيال القادمة هى أنهم يقرأون فى ظل التقدم التكنولوجى، لكنى أعتقد أن سوق الكتب لن تبور، وستستمر موجودة، فالكتب ستظل مادة أساسية فى اكتساب المعلومات، فالقرن الماضى كان قرن التنوير على مستوى العالم كله، وفى مصر، بدأ العصر فى العقد الثانى من القرن، وقد تأثر المصريون بهذه الحركة، من خلال الكتب التى كانت مصدر وعى تنويرى». وقد انتقى الراحل أسامة أنور عكاشة، 10 كتب اعتبرها أهم كتب القرن الماضى لما لها من أهمية مجتمعية تنويرية، وأنها صالحة لأن تكون مصدر وعى ومعرفة لكل جيل قادم وأثرت فى أجيال ماضية، وهى كتاب «الشعر الجاهلى» للعميد الدكتور طه حسين وتأتى أهميته فى أنه غير مناهج البحث فى الدراسات النقدية الشعرية، وكتاب «فكر الفقر وفقر الفكر» ليوسف إدريس، وكتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبدالرازق وهو أول كتاب يقدم بحث العلاقة بين السلطة والدين، وهو واحد من أهم الكتب التى نعتمد عليها فى اتباع الفكر المستنير، وكتاب «أفكار ضد الرصاص» لمحمود عوض، وكتاب «أيام لها تاريخ» لأحمد بهاء الدين، والذى يستعرض بعض الأيام فى تاريخ مصر التى يجب أن يتوقف عندها التاريخ ويعيد تسجيل أحداثها، وكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» للمفكر السورى عبدالرحمن الكواكبى، وهو يبحث فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالإضافة إلى مجموعة كتب لنصر حامد أبوزيد والتى منها «فساد فى التأويل»، و«تجديد العقل الدينى»، وهما من أهم الكتب التى تفتح نافذة على ما كان يفكر فيه كتابنا ومفكرونا القدامى، وكتاب «فقه اللغة» للويس عوض، وهناك كتاب «مصر المدنية: فصول فى النشأة والتطور» ليونان لبيب رزق، وهو كتاب مهم جدا، وكتاب «ثورة التنوير فى الفلسفة العربية» للفيلسوف المصرى الدكتور عبداللطيف العراقى. وفى فقرة سور الأزبكية والتى دارت حول بدايات أسامة أنور عكاشة الإبداعية، وشارك فيها ضيف البرنامج الدائم «شعبان يوسف«، قال «بلال»: حلم القاص والروائى لم يغادر عكاشة طوال حياته، ذلك الحلم الذى أجبر على تركه بفعل الحالة الاقتصادية، حتى إنه كتب فى أحد أعماله الإبداعية: «كان التحدى الحقيقى لنفسى قبل غيرى، أن أثبت لنفسى أن قلمى الذى ابتعد 20 عاما عن كتابة القصة والرواية، مازال قلما قادراً على أن يكتب عملا أدبيا روائيا قيما». ألقى «شعبان يوسف» الضوء على بدايات أسامة أنور عكاشة الإبداعية، بداية من عام 1967، عندما أصدر مجموعته القصصية «خارج الدنيا»، والتى اعتبرها مجموعة قصصية لا تقل فى جودتها عن أول مجموعة قصصية للأديب جمال الغيطانى والصادرة عام 69، أو أعمال الأديب محمد البساطى، لافتا إلى أنها صدرت عن المجلس الأعلى للفنون والآداب آنذاك، وقدمها يوسف غراب والذى بعد أن أثنى على العمل الأدبى قال: «أنا لن أقول عنه إنه تعجل الفن، فى الوقت الذى لم يتعجله الفن، وأنه كان عليه أن ينتظر كى تكتمل أركان عمله الأدبى، لكننى أرى أن التعجل كانت سمة درامية من سمات أنور عكاشة، وأنه يختلف كثيرا عن جيل يوسف غراب، الذى كان يتسم بالهدوء والرومانسية». وأضاف «شعبان»: «لقد كانت له أكثر من مجموعة قصصية منها «مقاطع من أغنية قديمة»، إلا أن ما يميز أسامة أنور عكاشة أنه لم يكتب القصة فقط، وإنما كتب الرواية والمسرحية، وقد كان يحلم فى تقديمه الرواية الأخيرة «سوناتا لتشرين» أن يقدم عملاً أدبياً، كل عام، كما صرح فى مقدمتها، مشيرا إلى أنه كان يتأرجح بين الواقعية وبين عالم ما دون الواقعية كما هو الحال فى روايته «وجنة مجنون» الذى أخذ بعداً أكثر شفافية ووضوحا، حتى إنه قال فى مقدمتها «تقبلوها كما تتقبلوها، لكننى أكتب بمنتهى الإخلاص والصدق». وقال «شعبان»: «إن أعمال عكاشة، متنوعة فقد كتب 4 مسرحيات مهمة جدا طبعتها الهيئة العامة للكتاب وهى (الناس اللى فى التالت، وولاد الذينة، وف عز الضهر)، وأريد أن أتوقف عند المسرحية الأولى، حيث تتعلق بمشكلة ما، فقد كتبها أسامة أنور عكاشة لطلب محمود الحدينى، والذى طلبها منه كى يعرضها على أكبر مسارح مصر، لكنها تعطلت، بسبب مهاجمته العالم الثالث وفيها يدين فكرة الهمجية والفاشية والسطو والبطش». وفى نهاية البرنامج، تمنى بلال فضل أن يبادر هشام أسامة أنور عكاشة بجمع أعمال والده القديمة ومقالاته المتناثرة، بالإضافة إلى مجموعته «خارج الدنيا» ونشرها، وأن تساعده فى ذلك الهيئة العامة للكتاب والتى كانت قد نشرت أعماله من قبل أعماله المسرحية.