لا أعرف ما سيفعله النواب والشخصيات العامة الذين خططوا لمسيرة تظاهرية غداً، أمام مجلس الشعب، بعد أن وصلهم إنذار على يد محضر من وزارة الداخلية برفض تنظيم المظاهرة، خوفاً من تكدير صفو الأمن العام وما إلى ذلك من مخاوف أمنية على «المواطنين ومصالحهم». لكن ما أعرفه جيداً أن التظاهر فى المجتمعات الديمقراطية، والتى تجنح نحو الديمقراطية ليس مجرد وسيلة احتجاج ضد الحكومة، وإنما هو إحدى الأدوات السياسية الرئيسية فى أى مناخ سياسى ديمقراطى على قدر من الصحة. وأنا وأنت نشاهد كل يوم التليفزيون الرسمى وهو يذيع كل يوم أكثر من 60% من مواده الإخبارية تغطيات وتقارير عن مظاهرات واحتجاجات فى العالم كله، تبدأ بالخلافات السياسية المباشرة بين الأحزاب والقوى السياسية، ومحاولة كل منها استعراض القوة ولى ذراع الطرف الآخر فى الشارع، مروراً بالاحتجاجات على الغلاء وسياسات التقشف، والأزمات الاقتصادية، إلى مظاهرات الحقوق البيئية والجنسية، وما إلى ذلك من قضايا ذات طابع اجتماعى. التظاهر إذن تعبير عن رأى عام أو جزء منه، وأداة للقياس السياسى، إلى جانب أنه وسيلة حقوقية للاعتراض والاحتجاج، حتى بات ثقافة عالمية، وأصبح حقاً مكتسباً وليس منحة على الإطلاق. والطبيعى إذن أن أى مجتمعات تتحدث عن انفتاح ديمقراطى، وتنافس سياسى، وحراك مجتمعى، وتداول سلطة، وانتخابات وبرلمان وأحزاب وقوى سياسية، لابد أن تحترم حق التظاهر، باعتباره أحد تلك الأدوات السياسية للتعبير، إن لم يكن أداة رئيسية، والأصل أن يكون متاحاً، ولا يحتاج لأكثر من إخطار لا ينتظر قبولاً أو رفضاً. الطبيعى كذلك أن تسعى الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والنقابات إلى تدريب أعضائها وكوادرها على مهارات التظاهر السلمى وسلوكياته وأخلاقياته، وأن يدعم المجتمع كله هذه الثقافة فى إطار ضوابط حقيقية تخرج عن الكلام الفضفاض الذى يصعب إثباته ويصعب نفيه، مثل تكدير صفو الأمن العام وتعطيل مصالح المواطنين. لا أبالغ كذلك إذا طالبت بتدريس حق التظاهر فى الجامعات والمدارس، والمقصود هو تعريف الأجيال الجديدة بحقوقها القانونية والدستورية المستقرة فى التعبير عن الرأى وتنظيم التظاهرات والاحتجاجات السلمية التى تعبر عن ذلك، إلى جانب ثقافة التظاهر السلمى الرشيد، التى لا تتجاوز فى حق قانون ولا نظام، إلى جانب تعليم وتدريب مواز لقوات الأمن يجعل فرد الأمن لديه قناعة راسخة بأن مهمته حماية المتظاهرين، لأنهم يمارسون حقاً قانونياً لا يجب منازعتهم فيه، أو التعامل معهم باعتبارهم مجرمين أو أشقياء أو «قلة مندسة». تدرب أنت على التنظيم والحماية فى إطار مهامك القانونية، ودعنى أتدرب أنا على ممارسة سلمية راشدة فى إطار حقى الدستورى بتقدير متبادل، واحترام للقانون من الجميع دون «منع أو تجاوز».. فقط علمنى كيف أتظاهر، ولا تضع فى قاموسك أبداً كلمة «لا»، لأن رفضك للتظاهر اعتداء على حقى مهما كانت المبررات، لكن وضعك لقواعد تنظم ذلك ربما يكون حقك.. وفى جميع الأحوال يبقى حقى كمواطن فى التظاهر هو الأصل وليس الاستثناء! [email protected]