سكت عمرو موسى بعد القمة العربية فى سرت.. كأنه فى استراحة المحارب، وإن كان قد ألقى حجراً كبيراً فى رؤوس القادة العرب الحاضرين، فقد تناول موسى شيئين غاية فى الأهمية.. الأول: أرسل رسالة للزعماء بالتخلى الطوعى عن السلطة، وإتاحة الفرصة للدماء الجديدة.. الثانى: إنشاء رابطة الجوار لتضم تركيا.. ولم يخالف الأصول ولا الأعراف ولا القواعد ولا التقاليد، حين أكد ضرورة التغيير، رغم أنه أبدى رغبته من قبل فى الترشح للرئاسة، فى حال عدم ترشيح الرئيس مبارك نفسه! فلا تجاوز الأمين العام اختصاصه، ولا خاض فى شؤون دولة بعينها.. ولكنه حين أرسل رسالته راح الكل يتحسس رأسه، وربما كان هناك من يهمس لنفسه قائلاً: كيف يجرؤ عمرو موسى على تناول أمور هكذا من موقعه الرسمى؟ ومن المؤكد أن أحداً لم يفاتحه بعدها بخير ولا بشر، خاصة أن العقيد القذافى كان قد فتح الباب على مصراعيه، حين قال إن الحكام العرب فى موقف لا يحسدون عليه، وأن الشعوب لن ترحم أحداً.. ولا أعرف إن كان القذافى من ضمن المعنيين أيضاً بهذا الكلام أم لا؟! التفسير الذى رآه بعض المراقبين والمحللين لمواقف عمرو موسى فى الفترة الأخيرة هو أنه يحاول الاستفادة من أمور هكذا ليبقى فى منصبه مدة أخرى، وإن بدا أنه يلوّح بعدم الاستمرار، أو يلوح بالترشح للرئاسة أو دعم البرادعى.. ولعل ذلك قد ظهر فى استقباله له بمقر الجامعة، ثم عقد معه جلسة سرية، بعيداً عن عيون الفضائيات والصحفيين.. ولا يعرف أحد حتى الآن ما دار فى هذا اللقاء، إن كان مناورة، أم كان ترتيباً لمشوار الرئاسة من داخل الجامعة العربية! وربما نفهم سكوت عمرو موسى الآن منعاً للحرج، ونفهم أيضاً سر التحركات الجادة والمتلاحقة فى الوقت نفسه من جانب البرادعى.. صحيح قد لا يكون هناك تنسيق من أى نوع بين الرجلين.. وإن كنت أتمنى أن يحدث هذا التنسيق بينهما، ثم يمتد إلى رموز مرموقة فى المجتمع السياسى، مثل الوزير المحترم منصور حسن، والعالم الدكتور محمد غنيم، وآخرين.. فمازلت أحلم بجماعة تتمتع بقوة الفكرة وقوة الشخصية، على طريقة رجالات الحكم فى تركيا.. بعد أن طرحها أردوجان وصحبه ضمن الدول الكبرى! فهل كثير علينا أن نكون فى حيوية تركيا.. وهل كثير علينا أن تكون لنا تجربة حكم تشبه التجربة التركية؟!.. لا أتحدث بالطبع عن الخلفية الدينية للتجربة، وإنما أتحدث عن كبرياء التجربة، وكرامة التجربة.. هذا الكبرياء وهذه الكرامة هما اللذان يجعلان الأطراف الإقليمية والدولية تعمل لها ألف حساب، وتسعى للشراكة معها سياسياً واقتصادياً، من أوروبا إلى الخليج إلى أفريقيا.. لأن الجماعة الحاكمة فى تركيا هى التى جعلت هناك دوراً يتمدد على خريطة العالم، بينما جماعة الحكم هنا جعلت دورنا يتقزم بحدود مصر الأربعة! ولم يكن غريباً حين تولى أحمد داود أوجلو وزارة الخارجية أن يقول إن أنقرة تسعى لدور إقليمى، واشتغل مع أردوجان وجول.. وبدا أن الثلاثى لا يرضى بدور صغير، بل راح يتوسع شرقاً وغرباً.. يعقد الصفقات مع ألمانيا والسعودية وغيرهما.. صفقات كبرى.. ويؤلمنى أن أقول إنهم كانوا قد بعثوا لنا ب«مهند ونور» لنتسلى.. وقبلها أقاموا حلفاً مع سوريا وإيران.. وأخيراً وليس آخراً قناة تركيا العربية.. ففى الوقت الذى كانوا يعقدون فيه الصفقات مع دول الخليج، كنا نكتفى منهم بالصدقات وحدها.. صدقات يسمونها تأدباً هدايا.. للأسف قد تعجبنا التجربة التركية لأردوجان، ولكننا لا نعرف غير التجربة الدنماركية لعادل إمام