الطريق إلى الكاتدرائية مفروش بالفرحة والضياء، وترتفع قبتها وجميع الأجراس فى معمار شديد المصرية رغم الطراز القوطى. أذهب إليها فى الأعياد وفى الأحزان أيضا، وفى كل مرة ألاقى فيها مصر كلها مسلميها وأقباطها، تعبر السيارة الطريق بسرعة حتى تتوقف عند ابتسامات الشباب للتأكد من شخصيات القادمين.. رغم أحداث نجع حمادى الدامية إلا أن مصر تمسح دمعتها بسرعة لتفرح.. المصرى محتاج للفرحة.. معماره الإنسانى مزيج من الابتسامات والدموع. تعودت أن أعرج إلى المقر البابوى لأهنئ البابا بالعيد قبل حضور القداس.. الطريق إلى صالونه مكتظ بالشباب وأهلا ومرحباً من الجميع.. وكاميرات الفضائيات تسجل المشاعر والكلمات الساخنة، التى تخرج من القلب. لا أعرف لمن أوجه كلمتى ولكننى أقول بسرعة: - هنا أنا فى مصر.. مصر الكنيسة المصرية.. هنا فى قلب مصر.. هنا رومانسية الدين، فالمصرى يعتنق دينه ويؤدى طقوسه فى رومانسية منذ العصر الفرعونى المصرى. مزيج من اتقاء الله وحب الله واللوذ به وقت الشدة.. هذا مكان يلوذ فيه ناس مصر إلى الله.. لا فرق بين مسلم ومسيحى، فمنذ العصر الفرعونى لم يعبد المصرى الصنم أبداً.. عبدالله فى مخلوقاته، عبدالإله حتحور إله الحب والمرح والجمال.. البقرة ذات الأجراس.. رباها فى الحقل.. حلب لبنها وشبع وارتوى ثم حول الباقى إلى جبن وزبد وسمن.. ذبحها باسم الإله وأكل لحمها واستعمل عظامها وجلودها بحنكة اقتصادية.. عبد فيها العطاء.. بينما بشر غيرنا عبدوها وصلوا من أجلها وطعنت فى السن وماتت وبنوا لها قبرا.. هناك فرق.. المصرى يعبد الله فى كل شىء. هنا فى الكنيسة يرتلون تراتيل قبطية وتراتيل فرعونية وفى المسجد يرتلون القرآن. حول الباب ازدحم المكان وجلس بابتسامته الودودة، والذكاء يسكن عينيه ومصر تحتويه وتحقق كلمته الرائعة التى ذابت فى هذا الحبر الأعظم «مصر وطن يسكن فينا لا وطن نسكن فيه». فى الكنيسة أشعر فعلا بأن لها مكاناً فى قلبى، فهى جزء من من مصر البشر جزء من سلسة العبادات والتقرب إلى الله. دكتور عبدالأحد جمال الدين عشرة العمر ودائم الود والوصال يتواجد دائما فى عيد المصريين بالكنيسة، ورئيس «الوفد» محمود أباظة بتاج الشباب الأشيب، يجلس بجانب البابا ومواجهة لأول مرة مع الدكتور البرادعى وجها لوجه مع تأملى الدائم لحميمية وصوله للشارع المصرى.. فارع القامة فى انحناءة بسيطة ملأتها قوة التواجد، وحده فى مقدرة دون معية أو حاشية.. مصر تستوعب الكثيرين وتحتاج لحراك مطلوب حتى لو لم يتم التغيير، فالحراك أول التغيير.. مصر البشر مثل النيل يفيض ويغيض، لكنها فى استمرارية لا تنقطع. وأداعب البابا بتحيتى الدائمة. تلاتة بالله العظيم.. أنت ضليلة العيلة.. كل سنة وانت ضليلة.. ويبتسم بود ممتد ويقول وسعوا للحاجة. ووسعوا لى.. وأحسست أنه ولله الحمد فى صحة جيدة.. وأعتب على الصحف الكتابة غير الدقيقة عن صحة البابا شنودة. أشعر بأن هذا الرجل هو فرصتنا فى رأب الصدع بحسه الذكى وحبه غير المسبوق بهذا النقاء للوطن. وأول ظهور جماهيرى لعبدالناصر مع الحبر الراحل البابا كيرلس السادس يوم 25 يوليو عام 1965 وحضره إمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسى. وعلمنا يومها أن الكنيسة الكبرى بنيت على أطلال دير يقال له دير الخفوق.وباسم القديس مرقس الذى أدخل المسيحية إلى مصر عام 61 ميلادية سميت كنائسنا الكبرى باسمه أى المرقسية.. والذى حل بالإسكندرية وكان أول من آمن به من المصريين مصرياً يدعى «أنيانوس» رسمه القديس مرقس أول أسقف لمدينة الإسكندرية وتحول بيته إلى أول كنيسة فى مصر ومكانها الحالى الكنيسة المرقسية فى محطة الرمل. [email protected]