مهما تحدثت إسرائيل عن «السلام»، تظل «الأرض» قضيتها الوجودية الأولى منذ كانت العصابات الصهيونية الأولى تطارد سكان فلسطين التاريخية من قرية لقرية ومن بيت لبيت. «الأرض» صحيفة إسرائيل الأولى الأكثر تأثيرا «هاآرتس». «الأرض» عقدة إسرائيلية وليدة الشتات. و«الأرض» هى ما أدرك ساسة إسرائيل جوهرها، فلوحوا بها كجزرة ثابتة مقابل مطلب متغير، فتارة قالوا الأرض مقابل السلام، وتارة عرضوا الأرض مقابل الأمن، وفى الحالتين لم يتنازلوا عن شبر منها. على مدار تاريخ الصهيونية، اغتصبت سلطات الاحتلال أراضى فلسطينية، مستخدمة فى ذلك جميع الوسائل والحيل، حتى جاء يوم 30 مارس 1976، عندما صادرت قوات الاحتلال آلاف الدونمات من الملكيات الخاصة والعامة فى مناطق ذات أغلبية سكانية فلسطينية مطلقة، لاسيما فى مدينة الجليل، الواقعة داخل أراضى الخط الأخضر. وشملت تلك الدونمات قرى «عرابة» و«سخنين» و«دير حنا»، وهى ما يشكل اليوم ما يعرف ب«مثلث يوم الأرض». عندئذ هب فلسطينيو الداخل (عرب 48) فى انتفاضة جماهيرية، معلنين الإضراب الشامل، وخرجوا فى تظاهرات غير مسبوقة، فى تحد كان الأول من نوعه منذ فرضت دولة إسرائيل على أراضيهم عام 1948. لذا جاء الرد الإسرائيلى عسكرياً حاسماً، إذ دخلت قوات الجيش مدعومة بالمجنزرات قراهم، لتحتلها علنا، وسط مقاومة استبسل فيها القرويون العزل، الذين سقط منهم فى هذه الأحداث 6 شهداء وعشرات الجرحى. منذ ذلك اليوم، الذى شكل نقطة فارقة فى علاقة إسرائيل بعرب 48، تحول تاريخ 30 مارس إلى مناسبة سنوية لإحياء يوم الاستمساك بالأرض. وبالأمس، أحيا فلسطينيو الداخل والخارج والشتات الذكرى ال 34 ليوم الأرض. ففى مناطق 48، نظم عرب الداخل مهرجاناً جماهيرياً فى النقب جنوباً، احتجاجاً على ما يعانونه من مصادرة أراض وهدم بيوت. وفى سخنين والجليل، خرجت مسيرات تحت عنوان «موحدون». كما أحيت الأقلية العربية فى إسرائيل، المنحدرة من أصل 160 ألف فلسطينى لم يهجروا أراضيهم، الذكرى بالدعوة إلى زراعة المزيد من أشجار الزيتون، كرمز للصمود والتمسك بالأرض. ورغم الانفصال السياسى والجغرافى، لم تبتعد محافظات قطاع غزة بنفسها عن هذه الذكرى فجابت مسيرات جماهيرية، هى الأكبر باتجاه السياج الفاصل مع إسرائيل، للاحتجاج على فرض المنطقة الأمنية العازلة على طول حدود القطاع. جاءت تلك الفعاليات فى وقت لم تنته فيه معركة الأرض بعد، بل على العكس تصاعدت فى الآونة الأخيرة مع سياسات الاستيطان وبناء الجدر العازلة، فضلا عن سياسات التهجير والتفريغ والإحلال. وهو ما رصدته مراسلة «المصرى اليوم» فى القدسالمحتلة خلال التقارير ال 3 التالية: