لا يملك - على الأقل - بالنسبة لمهنته ما يؤهله للعمل فيها، إذ يشتهر الترزية بأنهم «رغايين» مثل الحلاقين، لكنه استطاع أن يكسر القاعدة - رغما عنه - ويصبح من أشهر الترزية فى منطقته رغم سنه الصغيرة «37 عاما» وكونه «أصم وأبكم». عيناه هما وسيلة تواصله مع زبائنه، إذ يملك حسن جاد قدرة غريبة على قراءة الشفاه، مكنته من التعامل مع الزبائن وتنفيذ طلباتهم بدقة، وفى وقت أقل من الذى اعتادوه، حيث اختصرت إعاقته ساعات طويلة يقضيها الترزى فى الحديث مع زبائنه، وإن كان هذا لا يمنع من بعض الأسئلة والإجابات يتبادلها معه زبائنه، كلها تتعلق بهذه المفارقة التى يشهدونها، فلأول مرة يرون «ترزى أخرس». يبتسم حسن ويتحدث بأصابعه مفسرا هذه المفارقة: «دى إرادة ربنا، وكفاية إنى الوحيد فى العيلة وبين إخواتى الستة اللى أصبت بالإعاقة دى وعمرى 3 سنين». العلاج والتعليم كانا أهم محاولتين فشلت الأسرة فى تحقيقهما لابنها حسن، لذا كانت الصنعة هى الحل الوحيد لإنقاذ مستقبله وتأمينه خاصة مع وجود الإعاقة.. توجه به والده إلى ترزى صديقه فى منطقة عين شمس، وطلب منه تعليم حسن الصنعة، وتحمس الصديق باعتباره تحديا. «عم أحمد» الترزى صديق والده، من أهم المحطات التى مر بها حسن فى حياته العملية، حيث مَثُل حسن بين يديه وهو فى الثانية عشرة من عمره، وخرج من عنده (أسطى كبير) له اسم وزبون يفوق أقرانه ممن تعلموا معه الصنعة. تعلم على يديه أصول الحرفة والعمل، وأبدى تفوقا ملحوظا عن باقى أقرانه. ورغم الظروف التى مر بها حسن، فإنه يعتبر نفسه من المحظوظين، ومنطقه فى هذا: «ربنا بيحبنى.. والإعاقة دى كانت وش السعد عليا لأنها فتحت لى أبواب كتير كانت مقفولة».. ويحكى هذه القصة، مستشهدا على حسن حظه: «خيطت بلوزة لواحدة عجبتها جدا وعرضت عليا إنها تدينى أوضة فى الدور الأرضى فى عمارة ملكها فى مدينة نصر أعملها ورشة، وماخدتش منى أجرة 3 شهور لحد ما الناس عرفتنى وبدأت تثق فيا وما بقتش ملاحق على الشغل». أسعد لحظات حسن تلك التى يقضيها مع طفليه أحمد «3 سنوات» وندا «8 أشهر»، ليس فقط لأنهما ابناه، لكن أيضا لأنهما لا يستطيعان التعبير عن نفسيهما بالكلام، ويستخدم «أحمد» نفس لغة أبيه وهى الإشارة، فيشعر أنهما فقط فى عالم خاص وأن ثمة تقاربا شديدا بينهما. رضاه بحاله وواقعه انعكس فى أحلامه، فلم يتمن حسن أن يسترد تلك النعمة التى حرم منها، بقدر ما تمنى أن يستطيع وهو فى حالته هذه أن يتذوق آيات الذكر الحكيم ويفهم معانيها، ويكفى أنه يصلى مثلما يصلى صغيره أحمد، مجرد حركات يؤديها دون أن يدرك أو يتعلم ماذا يقول فيها، وتتملكه قناعة بأن الله عز وجل سيقبل منه صلاة حرمته إعاقته من قراءة القرآن فيها.