وقّع البنك الاهلى المصرى والبنك التجارى الدولى- مصر (CIB) بصفتهما المرتبين الرئيسيين الأولين ومسوقى التمويل، عقد تمويل مشترك متوسط الأجل بقيمة 21.9 مليون دولار أمريكى و255 مليون جنيه مصرى لصالح شركة «بيوردايف لصناعة المواد الكيماوية»، فى خطوة تؤكد التزامهما بدعم التنمية الصناعية وتعزيز الإنتاج المحلى. صفقة التمويل الجديدة لصالح شركة «بيوردايف لصناعة المواد الكيماوية» تمثل خطوة ذات دلالة اقتصادية تتجاوز إطارها الاستثمارى المباشر، فالتمويل الذى يبلغ 21.9 مليون دولار بالإضافة إلى 255 مليون جنيه لا يعكس فقط ضخ سيولة فى مشروع صناعى ناشئ، بل يؤكد إعادة تموضع الجهاز المصرفى المصرى فى قلب إستراتيجية الدولة الرامية إلى تعميق الصناعة التحويلية، وتقليل الاعتماد على الواردات، وزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، خصوصاً فى القطاعات التى تمتلك فيها مصر ميزة نسبية فى المواد الخام. جاء توقيع الاتفاق داخل مقر وزارة قطاع الأعمال العام، بحضور الوزير المهندس محمد شيمى وكبار قيادات البنكين والشركات المعنية، وهو ما يكشف دلالة مؤسسية تتمثل فى أن المشروع لا يُعد مبادرة معزولة، بل يدخل ضمن توجه رسمى نحو دعم سلاسل القيمة الصناعية الممتدة من الإنتاج وحتى التصدير. وتسهم فى شركة بيوردايف كيانات من القطاعين العام والخاص، بينها القابضة للصناعات الكيماوية ومصر لصناعة الكيماويات وكادينس للطاقة، ما يعكس نموذجًا تعاونيًا يربط بين الخبرة الصناعية الحكومية والخبرة التشغيلية والاستثمارية من القطاع الخاص. المشروع الذى تبلغ تكلفته الاستثمارية نحو 39 مليون دولار يهدف إلى إنتاج مواد كيماوية ذات طبيعة استراتيجية، بينها أقراص وحبيبات الكلور (TCCA) وحمض السيانوريك، إلى جانب كبريتات الأمونيوم اللامائية المستخدمة كسماد زراعى عالى الجودة. هذه المنتجات ليست مجرد سلع صناعية تقليدية، بل تدخل فى صناعات ذات حساسية عالية مثل معالجة المياه وتطهير حمامات السباحة والتصنيع الورقى والمنسوجات والقطاع الزراعى، ويعنى ذلك أن المشروع يسهم فى دعم قطاعات متعددة من الاقتصاد، بدءاً من الزراعة وحتى الخدمات والترفيه والصناعات التحويلية. وتكمن الأهمية الإستراتيجية للمشروع فى أنه يأتى فى وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات فى سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن واللوجيستيات، إضافة إلى توجه الدول للاحتفاظ بمخزون استراتيجى من المواد الكيماوية المستخدمة فى معالجة المياه والصناعات الحيوية، ما يجعل قدرة مصر على إنتاج هذه المواد محلياً خطوة نحو تأمين احتياجاتها وتقليل درجة تعرضها للصدمات الخارجية، فضلاً عن دعم قدرتها على النفاذ إلى أسواق إقليمية ذات طلب متزايد مثل أسواق أفريقيا والشرق الأوسط. الوزير المهندس محمد شيمى أشار إلى أن المشروع يعد الأول من نوعه فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، وهو تصريح يحمل أبعاداً اقتصادية تتعلق بالميزة التنافسية، فالدول التى تتمكن من امتلاك منشآت صناعية تنتج مواد كيماوية ذات قيمة مضافة تكون قادرة على بناء علاقات تصديرية طويلة الأجل، وتأسيس مكانة فى الأسواق الدولية يصعب منافستها بسهولة، خصوصاً عندما تكون المواد الخام المطلوبة لإنتاج هذه المواد متاحة محلياً. من جانبه أكد محمد الأتربى أن التمويل يعكس التزام البنكين بدعم المشروعات ذات القيمة الإنتاجية المباشرة، مشيراً إلى أن المشروع يعتمد على تقنيات صديقة للبيئة، وهو ما يتوافق مع التوجه العالمى المتزايد نحو الصناعة منخفضة الانبعاثات، وتبرز هنا إشارة مهمة تتعلق بأن المستقبل الصناعى لم يعد يستوعب المصانع التى تنتج بكلفة بيئية مرتفعة، بل تلك القادرة على المواءمة بين الإنتاج والحوكمة البيئية. أما عمرو الجناينى، نائب الرئيس التنفيذى بالبنك التجارى الدولى، فقد ربط بين التمويل ودور البنكين فى بناء بنية إنتاجية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى الصناعى، وهذه نقطة تحليلية جوهرية، إذ إن الصناعات الكيماوية من الصناعات الوسيطة التى تدخل فى صناعات أخرى، وبالتالى فإن تقوية هذه الحلقة الإنتاجية يعنى تقليل تكاليف الإنتاج فى قطاعات متعددة، ورفع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية فى الأسواق الخارجية.