انطلاق معرض الشارقة الدولي للكتاب.. واليونان ضيف الشرف ومحمد سلماوي «شخصية العام»

تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، انطلقت فعاليات الدورة ال 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب والذي يستمر حتى 16 نوفمبر الجاري بمشاركة أكثر من 2350 دار نشر عربية وأجنبية، وأكثر من 250 مبدعا وأديبا من 66 دولة يشاركون في قرابة 1200 فعالية ثقافية وإبداعية وفنية.
ويحتفي «معرض الشارقة الدولي للكتاب» هذا العام بدولة اليونان ضيف شرف الدورة ال44، تكريما لواحدة من أعرق الثقافات، ولمساهمتها في إثراء الحضارة العالمية، كما يحتفي المعرض بالكاتب الصحفي محمد سلماوي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة المصري اليوم واختياره «شخصية العام الثقافية»؛ تقديرا لمسيرته الأدبية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، وإبداعاته الأدبية وكتاباته المسرحية والروائية المتفرّدة التي شكلت علامة فارقة في الأدب العربي المعاصر، إلى جانب دوره المؤثر في دعم قضايا المثقفين العرب والنهوض بالمشهد الثقافي العربي.
وخلال الافتتاح رحب الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، باليونان، ضيف شرف المهرجان في دورته الحالية، مؤكدا أنه كرس حياته للثقافة «رفعا لرايتها وإعلاء لكلمتها ورغبة في نشر العلوم والمعارف والآداب بن أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
وأعلن خلال الافتتاح الانتهاء من المرحلة الأولى من الموسوعة العربية الشاملة والتي تحمل اسم «الموسوعة العربية الشاملة في الآداب والفنون والعلوم والإعلام» والتي تهدف إلى تعريف العلوم والآداب وجميع الفروع العلمية المتعلقة باللغة العربية والعلوم الشرعية والإنسانية، وفيها عرض لنوابغ وسير كل العلماء والفلاسفة والشعراء واللغويين والمفسرين والخلفاء والملوك منذ نشأة تاريخ العرب مرورا بالحضارة الإسلامية وعلمائها وفلاسفتها وأعلامها الذين أغنوا المكتبة العربية الإنسانية بشتى المصنفات والكتب ومختلف المعارف والعلوم والآداب.
وأضاف أن عدد مجلدات المرحلة الأولى من الموسوعة أربعة وأربعون مجلدا تحت إشراف مجمع اللغة العربية بالشارقة قام فيها العلماء المتخصصون بتعريف العلوم والمصطلحات الخاصة بكل علم نحوا وصرفا وبلاغة وعروضا وفي اللسانيات والصوتيات وغيرها، وكذلك العلوم الشرعية وعلوم قرآن والفقه وأصوله ومقاصده الشرعية والاقتصاد الإسلامي وغيرها من الفروع العلمية الدقيقة، وأنه في العام القادم سيتم إعلان انتهاء المرحلة الثانية من الموسوعة والمتعلقة بالعلوم الإنسانية وعدد من أعلام الشعراء واللغويين والمفسرين وسيتوالى البحث العلمي إلى حين الانتهاء من المرحلة الثالثة ثم الرابعة التي تكتمل في نوفمبر 2028 لتصبح أكبر موسوعة علمية ثقافية للعلوم والفنون والمصطلحات والأعلام.
وخلال تكريمه كشخصية العام الثقافية في الدورة ال 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب عبر الكاتب الصحفي محمد سلماوي عن اعتزازه بهذا الاختيار الذي يعتبره يتعدى كونه تكريما شخصيا ليغدو احتفاءٌ بالثقافة ذاتها، وبما تمثله من نورٍ يهدينا إلى ذواتنا في زمنٍ كثر فيه التخبط والضياع.
كم أشار سلماوي إلى أن الشارقة باحتضانها للثقافة إنما تتبنى واحدة من أهم القضايا المصيرية التي تواجه الوطن العربي في الوقت الحالي، وهي قضية الهوية، فالثقافة كانت وستظل دوما هي عنوان هويتنا العربية، والمرآة التي نرى فيها قسمات وجهنا العربي الأصيل الذي لفحته شمس حضارة مجيدة ضاربة في عمق الزمان، وهي الوعاء الذي حفظ وجدان الأمة عبر قرون التاريخ. إنها البصمة التي تفرّق بين التبعية والاستقلال، بين الذاكرة والنسيان، بين أن نكون أمةً لها صوت ورسالة، أو أن نتحوّل إلى شتاتٍ من الأصوات المبعثرة هنا وهناك.
وأضاف «سلماوي»: «ولعل ما نشهده اليوم من تفككٍ وانقسام في الجسد العربي لا دواء له، ولا شفاء منه، إلا بإدراك هويتنا القومية الجامعة، والعودة إلى ثقافتنا العربية الواحدة، لقد كانت هويتنا الثقافية في مختلف عصور التاريخ هي المستهدف الأول لأعدائنا، فكانت مكتبة الإسكندرية القديمة أول ما احترق عند غزو الرومان لمصر في القرن الأول قبل الميلاد، كما كانت متاحف بغداد هي أول ما نهب عند غزو رومان العصر الحديث للعراق في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، وإن ما نشهده في غزة اليوم من تدمير وحشى هو محاولة أخرى للقضاء على الهوية العربية لهذا الجزء العزيز من الوطن بعد أن فشلت محاولات طمس تلك الهوية بمخططات التهويد البائسة على مدى العقود الماضية، لذا جاءت أخيرا محاولة القضاء على الإنسان العربي نفسه عن طريق حرب الإبادة الوحشية المستعرة نيرانها منذ أكثر من سنتين، فالإنسان العربي والهوية الثقافية صنوان، كنخلتين ينموان من جذع واحد.
وأكد أن أخبار القتل والدمار قد طغت على رؤية العالم لغزة باعتبارها بؤرة نضال صامدة اعترف لها العالم كله بالنبل والجسارة، بالشرف والشرعية،، بعد ما أشهدته على إبداعها المتفرد في المقاومة والصمود، وفى خضم الحرب نسى البعض أن غزة واحدة من أقدم مدننا العربية، وأن جذورها تعود لأكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، وتدميرها يكاد يكون تدميرا لحضارات العالم كلها، فهي تحتضن آثارا مصرية قديمة وإغريقية ورومانية وبيزنطية وكنعانية وفينيقية وإسلامية ومملوكية وعثمانية، ومع حملات القتل والتجويع، غفل العالم عن خطط القضاء على تاريخ القطاع وهويته، فجرى تدمير أكثر من مائتي معلم من أهم المعالم الأثرية النادرة على أيدى جحافل التتار الجدد، من بينها مسجد السيد هاشم الذي يضم قبر هاشم بن عبدمناف جد النبي، وكنيسة برفيريوس ثالث أقدم كنائس العالم قاطبة، والمقابر الرومانية التي يعود تاريخها لأكثر من ألفى عام، إن الآثار الحجريّة قد يسهل تدميرها لكن كيف تمحو الهوية الثقافية للشعب، وللأرض، وللتاريخ؟! إننا إذ نلتقي اليوم في كنف الشارقة الغالية، إنما نرفع معًا راية الثقافة العربية الصامدة، في فلسطين كما في العراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن والسودان، نرفعها إعلانًا للانتماء، وإيمانًا بأن الثقافة هي آخر خطوط الدفاع عن الإنسان العربي وكرامته، بل وضمانا لمستقبله.
وأضاف أن الحديث عن الثقافة يقودنا حتما للحديث عن اللغة، فاللغة هي الحرف الأول في الأبجدية الثقافية، ولغتنا العربية التي خلدها القرآن هي أبلغ لسان عرفه البشر، فهي أكثر اللغات ثراء وأطولها ديمومة، هي وعاء فكرنا العربي، وهي ضمير وجودنا الإنساني، وقد رأينا لغات عريقة تندثر وتزول مع الأيام، كاللاتينية والعبرانية والآرامية والسومارية والأكادية وغيرها، بينما بقيت العربية نابضة في القلب والوجدان، لسانا للملايين وجسرا بين الماضي والمستقبل. إن اللغة هي اللبنة الأولى للثقافة، وبتطورها السليم تتخطى الثقافة كونها حصاد الحضارة والتاريخ، لتصبح أيضا مشروعٌ المستقبل الذي نتطلع إليه، وسلاح المقاومة ضد محاولات التذويب والتهميش والنسيان. فمن يملك لغته الأصيلة، وينتمي لثقافته القومية، ولتاريخه المتجذر، لا تقتلعه العواصف، حتى وإن خسر معركة سياسية هنا، أو واجه أزمة اقتصادية هناك. فلتكن ثقافتنا وطنٌ لا يُحتل، وجسرٌ لا يُهدَم، وصوتٌ لا يصمت.
ومن جانبه قال أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب: «في الشارقة لا يكرم الكتاب يوما في العام، بل تعاش الحكاية كل يوم، واليوم نفتح فصلا جديدا بانطلاق الدورة ال 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي أصبح واحدا من أكبر وأهم الملتقيات الثقافية في العالم، وفي احتفاء المعرض هذا العام بجمهورية اليونان ضيف شرف المعرض في لقاء حضاري يجمع الإغريق والعرب تاريخا وفكرا وإبداعا في مشهد يجسد الحوار بين الحضارتين العريقتين.
وأضاف أن فعاليات المعرض ستشهد «مؤتمر الشارقة الدولي للمكتبات» بالتعاون مع جمعية المكتبات الأمريكية التي تحتفل بمرو 150 عاما على تأسيسها، كما تحتفل الشارقة أيضا بمرور مئة عام على تأسيس مكتباتها العامة، وأن كل الشواهد تعزز ما وصل إليه معرض الشارقة الدولي الكتاب في تصدره المركز الأول ضمن معارض الكتب العالمية للعام الخامس على التوالي.
وفي تصريح للمصري اليوم قال الدكتور عبدالواحد النبوي وزير الثقافة الأسبق وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إن المعرض في دورة هذا العام اختار تكريم شخصية ثقافية مرموقة لها تأثيرها على مستوى العالم العربي والعالمي وهو محمد سلماوي الذي استطاع بإنتاجه الغزير النقدي والمسرحي والأدبي أن يؤسس جيلا من المثقفين وبالتالي هو تكريم كبير للمصريين ويؤكد أن مصر ولادة ومبدعة وتقدم الكثير من الفكر المؤثر. وتعليقا على صدور المرحلة الأولى من الموسوعة العربية الشاملة في الآداب والفنون والعلوم والإعلام قال «النبوي» أنها كنز معرفي لكل المهتمين بالثقافة وستضارع الموسوعة البريطانية وستكون رافدا لتطوير الحياة الثقافية والعلمية خاصة وأنها ستكون متاحة للجميع وستتوافر في المراكز البحثية، ومن المفترض أنها ستتوافر أيضا عبر موقع على الإنترنت لكل باحث للاستفادة منها.