قررت محكمة الاستئناف في العاصمة الموريتانية، مساء أمس الأربعاء، الحكم بالسجن خمس عشرة سنة نافذة على الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز، بعد إدانته بتهم استغلال النفوذ، وسوء استخدام الوظيفة، وإخفاء العائدات الإجرامية، في واحدة من أبرز القضايا السياسية والجنائية التي شهدتها البلاد في تاريخها الحديث. وجاء الحكم بعد أشهر طويلة من جلسات محاكمة مثيرة للجدل تابعتها أنظار الشارع الموريتاني والإعلام الإقليمي والدولي، حيث واجه ولد عبدالعزيز اتهامات بإثراء غير مشروع واستخدام منصبه لتحقيق منافع شخصية على حساب المصلحة العامة. فور النطق بالحكم، اندلعت احتجاجات صاخبة من أنصار الرئيس السابق داخل قاعة المحكمة، ما دفع قوات الأمن إلى التدخل السريع وإخراجهم بالقوة، وسط توتر كبير ورفض من المؤيدين للقرار القضائي. كما قضت المحكمة بتغريم الرئيس السابق مليار أوقية موريتانية، أي ما يعادل نحو أربعة ملايين دولار أمريكي، بالإضافة إلى الحكم بالسجن عامين نافذين على صهره والمدير العام لشركة الكهرباء بتهم مشابهة تتعلق باستغلال النفوذ. ولم يتوقف القرار عند هذا الحد، بل شمل أيضًا حل هيئة «الرحمة» الخيرية التي كان يديرها نجل الرئيس السابق، ومصادرة جميع أملاكها بعد ثبوت تورطها في عمليات غسل أموال. الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب اتهم محمد ولد عبدالعزيز، خلال فترة حكمه، بنهب مقدرات الدولة وتحويل المال العام إلى ثروات خاصة به وبعائلته، من خلال عقود مشبوهة، ومشاريع وهمية، وتسهيلات ممنوحة لشركات مقرّبة منه، كما وجهت له النيابة تهما بإخفاء أصول مالية ضخمة خارج البلاد، إضافة إلى إنشاء شبكات مالية مشبوهة داخل الأراضي الموريتانية وخارجها. وقد أدى سوء إدارة الموارد وتغليب المصالح الشخصية إلى تدهور الخدمات الأساسية في قطاعات التعليم والصحة والطاقة، إضافة إلى انتشار الفساد والمحسوبية وتراجع مؤشرات التنمية بشكل عام خلال فترة حكمه. من قائد الانقلاب إلى نزيل السجن تولى محمد ولد عبدالعزيز السلطة في موريتانيا بعد انقلاب عسكري عام 2008، ثم فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2009، وأعيد انتخابه في 2014، ليقود البلاد لعقد كامل حتى عام 2019، خلال هذه الفترة، قدّم نفسه كمحارب للفساد والإرهاب، لكنه في المقابل عزز قبضته على مفاصل الدولة، وسيطر على المؤسسات الأمنية والسياسية، وأقصى خصومه السياسيين. وبعد تسليمه السلطة طواعية لخلفه وصديقه السابق محمد ولد الشيخ الغزواني، عام 2019، بدأت الخلافات تطفو على السطح بين الرجلين، خاصة بعد محاولة ولد عبدالعزيز السيطرة مجددًا على الحزب الحاكم، الأمر الذي اعتبره الغزواني تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدولة. محاكمة ولد عبدالعزيز تعد سابقة في تاريخ موريتانيا، كونها تمثل أول مرة يُحاسب فيها رئيس سابق على هذا النحو أمام القضاء، وتفتح الباب لمرحلة جديدة من الشفافية والمساءلة، رغم الجدل السياسي المحيط بالقضية.