ريتشارد ريختر.. عاشق شواطئ العُراة الذي فكّ لغز الزلازل (بروفايل)

كان «ريختر» يحب الطبيعة، ويمشي لمسافات طويلة، يسمع موسيقى كلاسيكية، ويكتب الشعر. لكنه - وخلافًا لصورة العالم الوقور- كان يرتاد شواطئ العُراة.
لعائلة من أصول ألمانية، وُلد تشارلز فرانسيس كسينجر، في 26 أبريل 1900. جده كان يعمل في صناعة البيرة، وفي 1848 هاجر إلى الولايات المتحدة مستقرا في أوهايو، حيث وُلد «تشارلز» في مزرعة قبل أن تستقر العائلة في كاليفورنيا، المدينة التي تهتز من آن لآخر بفعل الزلازل المتعاقبة.
بعد أن انفصل والداه وتركه أبوه، انتقل الطفل «تشارلز» مع جده وأمه إلى لوس أنجلوس، وتخلى عن لقب «كسينجر» واختار اسم عائلة أمه، وأصبح يُعرف ب«تشالز ريختر».
[image:2:center]
التحق «ريختر» بجامعة ستانفورد، بدأ بدراسة الكيمياء ثم الفيزياء، وحصل على الدكتوراه في الفيزياء النظرية، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ثم باحث مساعد في معهد «كارنيجي» بدعوة من الفيزيائي روبرت ميليكان، الحائز على جائزة نوبل، ثم انتقل للعمل في معهد «باسادينا» لرصد الزلازل. عمل «ريختر» في البداية على مراجعة بيانات الزلازل وتحديد مواقع الهزات الأرضية، وأنشأ سجلا بكل هذه المعلومات، وبعد سنتين سيكوّن ثنائيا علميا مع الألماني بينو جوتنبرج، شريكه المجهول في ابتكار مقياس ريختر، ومدير «باسادينا».
[image:3:center]
بعد سنوات من العمل، ودراسة أبحاث علماء آخرين مثل جوسيب ميركالي، نشر تشارلز ريختر وبينو جوتنبرج أول جدول لقياس الزلازل، في 1935. كان المقياس تطبيقا لمنطقة جنوب كاليفورنيا في البداية، ثم توسع وشمل كل الزلازل حول العالم.
احتار «ريختر» في طريقة الرسم البياني لقوة الزلازل، فاقترح «جوتنبرج» الرسم على مقياس لوغاريتمي، ما يعني أن زلزلا بقوة 6 ريختر أقوى 10 مرات من زلزل بقوة 5 ريختر، وأقوى 100 مرة من زلزال بقوة 4 ريختر، و1000 مرة من زلزال بقوة 3 ريختر، وهكذا.
يعمل مقياس ريختر كالتالي: يسجل العلماء موجات الهزة الأرضية، ويجري تحديد الموجة الأوسع، ثم قياس المسافة إلى بؤرة الزلزال، وفي النهاية تتحدد قوة الزلزال.
يركز المقياس على طاقة الزلزال، ويجري عملية حسابية بحتة، عبر أجهزة قياس موزّعة في أكثر من منطقة.
[image:4:center]
يبدأ مقياس «ريختر» من الصفر إلى ما لا نهاية (نظريا)، إذ أن أقوى زلزالين جرى تسجيلهما به، الأول بقوة 9.5 درجة وهزّ تشيلي عام 1960، وخلّف 5700 قتيل ومليوني مصاب، والثاني: بقوة 9.2 درجة، وضرب منطقة منخفضة الكثافة السكانية في ألاسكا عام 1964.
بحسب ترتيب مقياس ريختر، فإن زلزالا قوته أقل من 3.5 درجة نادرا ما يشعر به السكان، ومن 6.1 إلى 6.9 درجة يسبب دمارا يتسع لمنطقة قطرها 100 كيلومتر، ومن 8 إلى 8.5 درجة.. عنيف وقوي ومدمر للبنية التحتية، ومن 9 درجات فأعلى معناه دمار كلي.
نادى «ريختر» بتعديل قوانين البناء في أمريكا والعالم، لتشمل تعزيزات أفضل لقواعد السلامة في أماكن النشاط الزلزالي، ويرجع الفضل إلى تحذيراته في إنقاذ أرواح ملايين منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى الآن.
في كتابها «مقياس ريختر: مقياس الزلزال.. مقياس الرجل»، 2007، تكشف سوزان إليزابيث هوج، عالمة الزلازل التي كتبت السيرة الذاتية للعالم الأمريكي، الوجه الآخر لتشارلز فرانسيس ريختر.
تقول «هوج» إنه عاني صعوبات في التفاعل، وتلمح لإصابته بمتلازمة «أسبرجر»، وهي اضطراب يؤثر على التواصل. وكتبت: «الحياة بالنسبة لأغلب الناس مهارة طبيعية، لكنها بالنسبة لتشارلز رختر كانت مهارة متعملة»، إذ كان يمكنه معالجة معلومات هائلة في وقت واحد، ويعجز عن فهم رموز الكلمات.
لكن «ريختر» كان عبقريا وعظيما، كما تصفه «سوزان. رصد بكفاءة ودقة بيانات الزلازل، وراح يسجل كل هزة أرضية على بطاقة مكونا كتالوجا مكتملا للزلازل لأول مرة منذ محاولة سلفه الإيطالي جوسيب ميركالي. كما أنه اهتدى بعلم النجوم لابتكار مقياسه، إذ كان شغوفا بتصنيف النجوم ورصد أحجامها وقياس مدى سطوح كل نجم.
«كان شخصية معقدة جدا، عالم من خارج الصندوق»، تصف سوزان هوج «ريختر»، وتفجّر مفاجأة قياسا إلى الوجه العلمي المألوف للرجل: «الحقيقة المجهولة أن ريختر كان من مرتادي معسكرات العراة مع زوجته».
[image:5:center]
واستنادا إلى نعي نُشر له في جريدة «لوس أنجلوس تايمز، عندما توفي عام 1985، تقول»سوزان«إن ريتشارد ريختر كان يمارس التعري، وكان خيلع هو وزوجته ملابسهما على الشواطئ المهجورة وكلما سنحت لهما الفرصة».
تقاعد عام 1970، لكنه ظل يعمل أستاذا فخريا بجامعة كاليفورنيا،بتركيب جهاز قياس الزلازل في منزله والذي ينبهه في كل مرة ترتجف فيها الأرض، والتي تنقله تنبيهاته إلى المختبر لمراجعة البيانات. ومات في باسادينا عن 85 عامًا بسبب قصور في القلب.