لماذا تحرص روسيا السيطرة على مدينة «ماريوبول» الأوكرانية ؟ (تحليل)

أصبحت مدينة ماريوبول الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا واحدة من أكثر المدن تعرضًا للقصف في حرب الروسية الأوكرانية بعد أن عانت من وطأة الهجمات الروسية المستمرة.
تعرضت مدينة ماريوبول التي كان يقطنها 400 ألف شخص قبل الحرب، لضربات جوية روسية في الأسابيع الأخيرة. ومن بين المباني التي تعرضت للقصف مستشفى للولادة ومسرح ومدرسة للفنون.
لقى ما لا يقل عن 2000 مدني مصرعهم ودمرت حوالي 80٪ من المنازل، وفقًا لمسؤولي المدينة، ويحتمي المدنيون المحاصرون فيها داخل أقبية ولديهم القليل من الطعام والكهرباء والمياه الصالحة للشرب.
لكن وسط ذلك الزخم جراء استمرار المعارك بالمدينة الأوكرانية يطرأ تساؤل عن سبب اهتمام الجيش الروسي بهذه المدينة، وفيما يلي نشرح لماذا هذه المدينة مهمة لروسيا ولأوكرانيا على حد سواء.
الموقع الجغرافي
تقع ماريوبول بين شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014 وإقليم دونباس، الذي يسيطر على جزء كبير منه جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبية الانفصاليين الموالين لموسكو .
ومن خلال السيطرة على تلك المدينة يستطع الجيش الروسي مد جسر بري من مناطق الانفصاليين الموالين له في الدونباس وشبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها، وذلك بعد السيطرة على كامل الساحل الجنوب الشرقي لأوكرانيا.
إذا تم الاستيلاء على ماريوبول، فستنتهي روسيا أيضًا بالسيطرة الكاملة على أكثر من 80 ٪ من ساحل اوكرانيا على البحر الأسود- مما يؤدي إلى قطع تجارتها البحرية وعزلها عن العالم.
كما ستتحكم روسيا والموالين لها في بحر آزوف وهو البحر المطل على البحر الأسود.
أهمية أقتصادية
وعلى ذكر بحر آزوف، فلطالما كانت ماريوبول ميناءً مهمًا استراتيجيًا على بحر آزوف، وهو جزء من البحر الأسود.
تعد ماريوبول أيضًا موطنًا لأكبر ميناء تجاري في بحر آزوف الذي تصدر أوكرانيا منه الحبوب والحديد والصلب والآلات الثقيلة، في عام 2021، كانت الوجهات الرئيسية للصادرات الأوكرانية من ميناء ماريوبول هي دول أوروبا والشرق الأوسط مثل إيطاليا ولبنان وتركيا.
وعانى الميناء بعد ضم شبه جزيرة القرم حيث قامت روسيا ببناء جسر يربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي لها وفرضت قيودًا من جانب واحد على السفن التي تمر عبر مضيق كيرتش. الواصل بين بحر آزوف والبحر الأسود.
الحرب المعنوية
إذا نجحت روسيا في السيطرة على ماريوبول، فسيكون ذلك بمثابة دفعة معنوية كبيرة لروسيا.
كما أن ماريوبول هي موطن لوحدة ميليشيا أوكرانية تسمى لواء آزوف، سميت على اسم بحر آزوف، يحتوي لواء آزوف على متطرفين من اليمين المتطرف، بما في ذلك تاريخيا النازيون الجدد.
على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى أصغر جزء من القوات المقاتلة الأوكرانية، إلا أن هذه كانت أداة دعاية مفيدة لموسكو، مما أعطاها ذريعة لإخبار سكان روسيا أن الشباب الذين أرسلتهم للقتال في أوكرانيا موجودون هناك لتخليص جيرانهم من النازيين الجدد.
كما سيشكل سيطرة روسيا على مدينة أوكرانية نصرًا معنويًا كبيرًا خاصة أن روسيا لم تستولى على أي مدينة أوكرانية منذ سيطرتها على «خيرسون».
المفاوضات وترسيم حدود
مع بدء مسار تفاوضي بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب سيتم رسم حدود جديدة خاصة مع مطالب أوكرانيا باسترداد جزيرة القرم ورفض استقلال دونيتسك ولوهانسك، لذا ستكون السيطرة على ماريوبول أمر واقع يشكل رقمًا في المعادلة السياسية وقت التفاوض، خاصة مع أن روسيا ستصبح تسيطر على جنوب شرق أوكرانيا بالكامل.
أهمية المدينة بالنسبة لأوكرانيا
بجانب الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للمدينة، بأن ماريوبول أصبحت رمزاً للمقاومة الأوكرانية، وإذا استطاع الجيش الأوكراني التمسك بالمدينة سيكون دافع معنوي لحث الأوكرانيين على التمسك بباقي المدن المعرضة لهجمات الروسية.
لكن السيناريو الأخر حال خسرت أوكرانيا المعركة فمن المرجح أن تضيف خسارة ماريوبول المزيد من البؤس والدمار للأوكرانيين.
خاصة أن المدينة أصبحت موطنًا للعديد من الأوكرانيين النازحين داخليًا الذين فروا من القتال في دونيتسك ولوهانسك في عام 2014.
وقد فر أكثر من 41 ألف شخص من المدينة في الأيام الأخيرة، وفقًا لمسؤولي مدينة ماريوبول. لكن الممرات الإنسانية لا تزال هشة.