ضمن فعاليات أيام الموسيقى العربية.. ثلاثي «تيريولا» المصري يعزف أولى نغماته في ألمانيا

استضافت قاعة بيير بوليز بالعاصمة الألمانية برلين الحفل الموسيقى الأول على الإطلاق للثلاثي المصري الجديد «تيريولا» المكون من المؤلف الموسيقى وعازف الناي هاني البدري وعازف البيانو محمد عصام وعازف الإيقاع محمد عرفة، وأقيم الحفل ضمن فعاليات أيام الموسيقى العربية التي امتدت على مدار خمسة أيام ونظمها مبدع العود العراقي الشهير نصير شمه.
اعتلى ثلاثي تيريولا خشبة المسرح في هذا المكان المرموق يوم الخميس الموافق 3 مارس وسرعان ما أسروا قلوب الجمهور، وقدموا مجموعة من المقطوعات الموسيقية من تأليف هاني البدري للثلاثي وهى «شاهيناز» و«طيبة» و«لونجا حجاز» و«نون» و«من كل بستان» و«سماعي عُقد» و«وقتي» و«فانتازيا جهاركاه» بالإضافة إلى إعادة توزيع لمقطوعة «أنت عمري» للموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، و«فقط في الذاكرة» لمحمد فؤاد، و«رمال» لأحمد حسن.
اسم الفريق مشتق من الكلمة الفرنسية «Triolet»، التي تطورت في اللهجة المصرية إلى كلمة تيريولا وتمثل نمطًا من ثلاث نغمات في تدوين النوتة الموسيقية، وتتميز أعمال تيريولا بالمزج ما بين القيم العربية الأصيلة في التأليف الموسيقي وما يميزها من الروحانية العميقة وبين أساليب التأليف الغربي وما يميزه من هارموني وتداخل بين الأصوات الموسيقية المختلفة، ويعد العرض الأول لثلاثي تيريولا في ألمانيا خطوة مهمة في مسيرتهم الموسيقية، وبعد النجاح الذي حققه الحفل الأول يستعد الثلاثي حاليا لتقديم عدد من الحفلات في مصر وعدد من دول العالم خلال الأشهر المقبلة.
قدم الفريق والمقطوعات الموسيقية خلال الحفل المؤلف الموسيقي هاني البدري، وكان من بين الحضور إلى جانب محبي الموسيقى المايسترو وعازف البيانو العالمي دانيال بارنبويم، المدير العام للموسيقى بدار أوبرا برلين.
يعتبر هاني البدري واحدا من أبرز الموسيقيين المصريين المتخصصين في عزف الناي، أحد أقدم آلات النفخ الموسيقية في الثقافة الموسيقية العربية، وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود طور البدري تقنية فريدة للآلة وقام بتأليف أكثر من 100 مقطوعة موسيقية للناي، ويحاول في مؤلفاته أن يجعل الناي يتخطى وظيفته التقليدية، ويستكشف أشكال متنوعة من الموسيقي ويتلاعب بها بشكل خيالي على أعلى مستوى، كما أسس اسمه كعازف أساسى في الفرق العربية الكلاسيكية وواحدا ممن يسعون لاكتشاف أنواع مختلفة من الموسيقى.
تضمن الحفل الذي أقيم في برلين 11 مقطوعة موسيقية، تميزت بالتناغم والانسجام بين الموسيقيين الثلاثة، حيث شكل الحوار بين الآلات في معظم المقطوعات الموسيقية وحدة واحدة متساوية، وقدم الناي والبيانو العديد من الخطوط اللحنية التي دعمتها الآلات الإيقاعية متمثلة في «الطبلة، والدف، والرق، والكاجون، وكلها يؤديها محمد عرفة.
اصطحبت مقطوعة نون الجمهور إلى عالم مقام الحجازالمعروف، أحد الأنظمة الخاصة بأنماط لحنية في الموسيقى العربية، والذي افتتح المقطوعة الموسيقية ومنحها لمسة من الغموض، قبل الانتقال إلى أجواء طبيعية أكثر مع مقام الكرد، وزينت الأنماط الإيقاعية المعقدة المقطوعة الموسيقية، معبرة عن تعقيدات العلاقات الانسانية في المراحل المتقدمة، واسم المقطوعة يرمز إلى حرف واحد في الأبجدية العربية هو حرف النون، تعبيرا عن البساطة التي يبحث عنها البدري في شبكة معقدة للغاية من العلاقات الإنسانية.
بينما تعتبر مقطوعة «سماعي عُقد» أخف في إحساسها، ويتحدى فيها البدري الشكل القديم للموسيقى العربية، وسمح لخياله بأن يحمل المستمع عبر مجموعة من المشاعر، وكانت هذه المقطوعة بالتحديد جزءًا من الأعمال التي قدمها لنيل درجة الماجستير في الموسيقي وحصل عليها من «كلية التربية الموسيقية» بالقاهرة.
وحملت مقطوعة «طيبة» قصة موسيقي عن فتاة مصرية طيبة وجميلة، مليئة بالكثير من المشاعر الدافئة التي كان لها صدى كبير في نفوس الحضور وصفق لها بقوة. أما «وقتي» فكانت من أكثر المقطوعات المثيرة للاهتمام التي تضمنها الحفل حيث ابتكرها الثلاثي خلال الأمسية وتم بنائها أثناء العزف مع بعضهم البعض، فبدأت الجمل الموسيقية في الظهور مع إضافة كل موسيقي لمسته الخاصة على المقطوعة، وكشف البدري أنه يخطط لمواصلة العمل عليها فيما بعد وتسميتها ب«ألمانيا 3 مارس» تسجيلا للزمان والمكان اللذين شهدا بناءها لأول مرة.
وقدم الثلاثة إعادة توزيع فريد من نوعه لمقطوعة «أنت عمري» التي ألفها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب لكوكب الشرق أم كلثوم، وفى مقطوعة «من كل بستان» قدم البدري مزيجا بين ثلاث أعمال لعبدالوهاب وناظم الغزالي وليلى مراد، حيث ابتكر البدري جسورا موسيقية دمجت المقاطع الثلاثة وتنتقل بالمستمعين بينها بسلاسة وروعة.
واختتم الثلاثي الأمسية ب«فانتازيا جهاركاه»، وهي مقطوعة حية مليئة بالبهجة، فبينما يتحاور البيانو مع الناي، تتراقص الأنماط الإيقاعية في المقطوعة، وتغير إيقاع الموسيقي ومن ثم تغمرها بالكثير من الحرية الإبداعية.
احتفى جمهور الحفل بالثلاثي المصري واستمر التصفيق لبعض الوقت بعد انتهاء الحفل، وناشدهم الحضور بالعودة إلى خشبة المسرح أكثر من مرة، ووجه هاني البدري الشكر لدانيال بارنبويم لاستضافتهم في قاعة بيير بوليز وكذلك نصير شمة رئيس أيام الموسيقى العربية قبل أن يقوم الثلاثي بإعادة عزف مقطوعة «شاهيناز» بناء على طلب الجمهور.
أسس عازف العود العراقي الشهير نصير شمة أيام الموسيقي العربية في برلين لتكون منصة سنوية لاحتضان الأعمال الإبداعية الفريدة والمتميزة للموسيقيين من المنطقة العربية.