هناك أعراف وتقاليد محلية فى افريقيا نتيجة فقدان الثقة فى الدولة ككيان لعدم قدرتها على فض المنازعات التى تحدث بين الجماعات العرقية المختلفة داخل الدولة الواحدة مما يضطر الاطراف المتنازعة الى اللجوء الى تلك الاعراف والتقاليد المحلية الذاتية المنشأ اى النابعة من ثقافة تلك الشعوب فتوجد فى اوغندة على سبيل المثال طريقة مصالحة تسمى ماتو اوبوت معترف بها لدى جماعة الاكولى فى تلك الدولة و تقضى المصالحة فى اطار ذلك العرف السائد فى المجتمع على أنه عندما يحدث نزاع بين فردين من الجماعة يعد فى نظر الجماعة مشكلة تؤثر على الجماعة كلها و لاعادة الوئام و إعادة بناء الثقة الاجتماعية لابد من وجود تراض عام بين الناس لاسيما أطراف النزاع على كل من النهج المتبع و محصلة جهود فض النزاع و بالتالى فإن عرف الماتو أوبوت يسمح للأفراد بالمشاركة بالرأى و من خلال مجلس عام يسمى كاكوكى ماديت يستمع من يتولون الإشراف على عملية المصالحة و هم أعضاء ديوان الشيوخ( ممن لهم دور استشارى لدى الزعماء ) لوجهات نظر أفراد الجماعة ممن يحق لهم استجواب المجنى عليهم و الجناة و الشهود و طرح اقتراحات على المجلس و نظرا للتأكيد على الاحتواء والمشاركة فى عملية المصالحة فقد تستغرق هذه العملية وقتا طويلا و تمر تلك المصالحة بخمس مراحل على النحو التالى اولا حث الجناة على الإقرار بالمسؤولية أو الذنب عما وقع من أخطاء عقب عرض الادلة من جانب الشهود و الحضور و بعد الاستجواب من مجلس الشيوخ ثانيا حث الجناة على أبداء ندم و أسف حقيقيين ثالثا حث الجناة على طلب العفو من المجنى عليهم و حث المجنى عليهم على الرحمة بالجناة رابعا إذا تمت المرحلة السابقة بصورة مر ضية يقوم الجناة إن أمكن و بناء على أقتراح من ديوان الشيوخ بأداء دية للمجنى عليهم ( إشارة رمزية تؤكد فى الكثير من الحالات إحساس الجانى بالندم الحقيقى ) خامسا تختتم العملية بمصالحة بين ممثلى المجنى عليهم و ممثلى الجناة و تتم المصالحة من خلال طقس الماتو اوبوت بتناول عشب مر الطعم من شجرة الاوبوت و يرمز مشروب الاوبوت المر للمرارة النفسية التى خيمت على نفوس الطرفين فى أثناء النزاع و يرمز فعل الاستحاء إلى أن جهدا سيبذل للتغلب على هذه المرارة فى سبيل إعادة الوئام و بناء الثقة طبعا نحن نحترم تلك الاعراف و التقاليد ولكن ما حدث فى مصر من تسوية غريبة وغير مفهومة بين السيدة سوزان منير ثابت المعروفة بسوزان مبارك و جهاز الكسب غير المشروع تدعونا الى أن نقول أننا امام حالة ماتو أوبوت ولكن على الطريقة المصرية و لكنها أيضا تثير الكثير من الشكوك حول قرار المصالحة وإخلاء السبيل تلك التسوية التى تدعو الى التأمل و حاجة الى التفسير المعقول فأما هذه السيدة بريئة او أنها بارعة فى عملية التلاعب بالقانون أو هناك حالة من التواطوء بين جهاز الكسب غير المشروع و بينها أو أن لدينا قوانين هشة لا تدين الفساد وهنا يكمن سؤال هام هل معنى ردها لتلك الاموال انها تعترف ضمنيا باستيلائها على تلك الاموال فردتها الى الدولة و لو الاجابة كانت بنعم لماذا اطلقت الدولة سراحها ؟ و هل معنى قبول الجهاز التصالح معها أنها غير مدانة فإذا كانت غير مدانة فلا نستطيع رد الاموال المجمدة فى الخارج وسوف تطلب السيدة سوزان مبارك بفك تجميد تلك الاموال لعدم إدانتها أمام القانون ؟ و هل من حق الجهاز القيام بتلك التسوية و المصالحة و من أعطاه ذلك الحق لو كان القانون فهو قانون يشوبه العوار ولابد من تغييره لانه سينتج عنه مفاسد كبيرة ؟ اننا امام حالة ماتو اوبوت على الطريقة المصرية وتنتفى فيها حتى شروط تلك المصالحة العرفية حيث لم تقر السيدة سوزان مبارك بالجرائم التى ارتكبتها فى حق المجتمع و لم تبدى ندم و أسف حقيقيين ولم تطلب العفو من المجنى عليهم و الشعب حتى بعد ذلك لن يقبل الاعتذار لاننا امام حالة خداع للشعب لا يرضاها الله سبحانه و تعالى لانها سوف تكون سابقة تاريخية تعطى لكل مسؤول الحق فى نهب المجتمع و عندما ينفضح أمره يقوم بتقديم بعض ما نهبه من اموال الشعب فى مقابل اطلاق سراحه ليتمتع بالسواد الاعظم من الاموال المنهوبة المتبقية معه نحن نعود بالوراء الى مرحلة ما قبل الدولة ونفقد الثقة فى مصداقية القوانين و الاخطر من ذلك هو شعور المواطنين بغياب العدالة و ستكون هناك شكوك لدى المواطنين حول من يجلس على منصة الحكم والقضاء فإذا لم يستطيع المجتمع أن يقتص لحقه من النظام السابق و ترد المظالم و الحقوق الى أصحابها فسوف يكون رد الفعل غير محمود العواقب و الآثار مصر تعيش حالة من المرارة النفسية التى لا يمكن وصفها و درجة من الغليان و الغضب لا يمكن تصورها من رموز النظام السابق و تريد أن تعيش فجر جديد يشعر فيه المواطن بالكرامة والعزة لبناء دولة يسود فيها القانون العادل و يستشعر المواطنين الشرفاء أن البلد طهرت من الفساد الذى خيم على المجتمع بظلامه الدامس فعندما يطلق سراح رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق نتيجة ان الاموال التى لديه تلاقها من هدايا مقدمة اليه من رؤساء و ملوك دول فأن القوانين العرجاء التى لا تدين تلقى مسؤولين كبار فى الدولة هدايا من رؤساء دول آخرين تعتبر قوانين مجحفة و تعمل على حماية الفساد فى المجتمع فأن تلك الاموال التى تلاقها بحكم منصبه الوظيفى تعتبر رشاوى وليست هدايا هدفها استغلال منصبه الوظيفى لاستصدار قرارات تحقق مصالح لتلك الدول او لصياغة قوانين تحقق مكاسب سياسية لتلك الدول او لاختراق قوانين الدولة لتحقيق امتيازات خاصة لتلك الدول فلابد من إعادة النظر فى تلك القوانين التى لا تتمتع بمصداقية و بمشروعية لدى المجتمع و أصبحنا أمام مسرحية هزلية أو تمثيلية سخيفة ستكون مفاسدها كبيرة على المجتمع