المرشحون الديمقراطيون يتحدون «وول ستريت» فى معركتهم للوصول إلى البيت الأبيض

في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية المقبلة في 2020، وفى انتخابات الكونجرس الأمريكى، لا يتوانى الديمقراطيون عن تحدى الشركات العملاقة في «وول ستريت» معلنين انطلاق «عصر جديد»، مع الأمل في تنفيس الغضب الذي لايزال سائدا لدى جزء من ناخبيهم منذ الأزمة المالية
في 2008.
واستدعت لجنة برلمانية في الكونجرس للمرة الأولى منذ هذه الأزمة، رؤساء مجالس إدارة كبرى المصارف الأمريكية لتأدية القسم معا الأربعاء الماضى، وشكّل هذا المشهد مؤشرا هاما إلى تغيّر الأكثرية أخيرا في مجلس النواب الذي استعاد الديمقراطيون الهيمنة عليه في يناير الماضى، بعدما استحوذ الجمهوريّون على أكثرية مقاعده طوال 8 سنوات.
ووصفت ماكسين ووترز، أول امرأة وأول شخص أسود يقود لجنة المال النافذة بمجلس النواب الأمريكى، هذا التغيير بأنه بداية «عصر جديد»، وكان المدير العام السابق لمصرف «ويلز فارجو» تيم سلون أدلى بشهادته خلال جلسة استجواب حامية أمام اللجنة الشهر الماضى، أما هذه المرة فقد خضع للاستجواب قادة المصارف الأمريكية السبعة الكبرى وهى «سيتى جروب» و«جاى بى مورجان تشايس أند كو»، و«مورجان ستانلى» و«بنك أوف أمريكا» و«ستايت ستريت كوربوريشن» و«بى أن واى ميلون» و«جولدمان ساكس»، وفى أوج الأزمة حين كان النظام المالى العالمى برمّته مهددا، خاضت ماكسين ووترز سجالات حادة مع بعض من هؤلاء القادة الماليين، بينما ركزت جلسة الاستماع على الأثر الاجتماعى لبورصة «وول ستريت» أكثر من الاستقرار المالى. وقالت ماكسين ووترز لهؤلاء: «أنتم، يا قادة الكون، تتمتعون بما يكفى من الذكاء وحس الإبداع» لتخفيف عبء المديونية على ملايين الطلاب الأمريكيين.
وندد الديمقراطيون بالهوة بين المدراء وجميعهم رجال بيض أثرياء، وباقى أفراد المجتمع، واعتبر مسؤول جمهورى أن جلسة الاستماع ترمى حصرا إلى «استثارة الاهتمام الإعلامى»، وبرز خلال الجلسة تصريح لافت لرئيس مجلس إدارة مصرف «سيتى جروب» مايكل كوربات أكد فيه أنه لو كان موظفا عاديا في المصرف براتب أقل ب500 مرة من راتبه الحالى، كان ليتمسك بالأمل في «اغتنام فرصة التقدم». وأثار الموقف استياء النائبة الديمقراطية نيديا فيلازكيز التي قالت «لهذا السبب الناس الذين يعيشون في قوقعة وبرج عاجى لا يسعهم فهم الغضب السائد في الخارج خصوصا لدى جيل الألفية».
ويعوّل الديمقراطيون على استغلال الغضب المتعاظم رغم النمو الاقتصادى القوى ونسب البطالة الضعيفة، ولن يكتفوا بمحاولة الحفاظ على أكثريتهم في مجلس النواب سنة 2020 بل يسعون للاستحواذ على الأكثرية في مجلس الشيوخ وحتى بالعودة إلى البيت الأبيض. وتحتل «وول ستريت» ورؤساء الشركات الكبرى موقعا هاما في حملات مرشحين كثيرين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى تحضيرا للاستحقاق الرئاسى، وعلى رأسهم العضوان التقدميان في مجلس الشيوخ بيرنى ساندرز وإليزابيت وارن، وتعهد الاشتراكى بيرنى ساندرز بأن «ترمى حملتنا إلى مكافحة مجموعات المصالح الكبرى التي تهمين على حياتنا السياسية والاقتصادية»، وكان ساندرز المناوئ ل«وول ستريت» تقدم نهاية العام الماضى بمشروع قانون يرمى إلى «تحطيم المصارف الكبرى في البلاد»، أما إليزابيت وارن التي عُرفت بانخراطها الكبير قبل عقد من الزمن في الإصلاحات والخطط الإنقاذية بعد الأزمة المالية، جعلت من كبح جماح «وول ستريت» واحدة من أبرز معاركها، وقدمت في هذا الإطار سلسلة وعود مفصلة تشمل تفكيك عمالقة شركات التكنولوجيا وزيادة الضرائب على الشركات العملاقة وتشديد القيود المالية، كما أبدت إليزابيت وارن سعادتها باستعادة زملائها الديمقراطيين موقعهم الهجومى في الشأن المالى، وقالت: «الجمهوريون حاولوا قدر المستطاع تقليص الرقابة على المصارف الكبرى، وها هم الديمقراطيون يقومون بهجوم مضاد»، وأشارت إلى أن المصارف «باتت أكبر من أي وقت مضى واستعادت عاداتها القديمة من خلال محاولة إخفاء مكامن الخطر في نتائجها المالية».
ووسّع المرشحون الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لتمييز أنفسهم في ساحة مكتظة بالمنافسين تحركهم عبر التوجه إلى مناطق خارج الخارطة التقليدية لتحركات هؤلاء، وتم تجاهل عدة ولايات لا تقدم أصواتا كثيرة أو تصوت متأخرة في الانتخابات التمهيدية، في بداية المنافسة للفوز بترشيح الحزب، وهكذا هو الحال بالنسبة ليوتا، إذ بإمكان تأثير الولاية الذي يعد ثانويا أساسا أن يتراجع في 2020 مع إدلاء السكان بأصواتهم بجانب عشرات الولايات الأخرى بما في ذلك تلك الأكثر تأثيرا كاليفورنيا وتكساس.
وتوجهت إليزابيث وارن إلى سولت ليك سيتى، عاصمة يوتا، للقاء الناخبين على أمل تحقيق تقدم على منافسيها، بعد أن نظّمت المرشحة الليبرالية تجمعات انتخابية في ألاباما وتينيسى ومسيسيبى التي لا يهتم المرشحون فيها بالانتخابات عادة إلا قبل أيام من الاقتراع التمهيدى، وقالت وارن: «أترشح لمنصب رئيس الشعب كله، وهو ما يعنى أن على الخروج والتحدث إلى الناس وتأسيس حركة شعبية تمتد من ساحل لآخر»، وأضافت: «هكذا سنفوز في 2020».
ويركز المرشحون قبل التصويت الذي يحدد المرشحين للرئاسة، على الولايات الأربع التي تصوت مبكرا، وهى آيوا ونيوهامبشير ونيفادا وكارولاينا الجنوبية، لكن الظروف مختلفة حاليا مع تنافس عدد أكبر من المرشحين من حزب واحد لتولى منصب الرئيس مقارنة بأى انتخابات أمريكية حديثة، وبات عدد المرشحين من الحزب الديمقراطى 18 بعدما أعلن عضو الكونجرس إريك سوولويل عن خوض السباق، ويشير الخبراء إلى أن اتساع رقعة المنافسة قد تعقّد جهود أي مرشح في كسب غالبية كبيرة من المندوبين، ما ينجم عنه معركة انتخابات تمهيدية مطولة.
ويحاول الديمقراطيون الساعين لمنافسة الرئيس دونالد ترامب في 2020 تحقيق توازن بين الضرورة الملحة لزيارة الولايات التي تصوت مبكرا وتعريف الناخبين بأنفسهم في أماكن أخرى ولقاء المانحين في المدن الثرية مثل لوس أنجلوس ونيويورك لجمع الأموال اللازمة لدعم حملاتهم، وزار مرشحون ديمقراطيون 21 ولاية، وأكثر من 100 مدينة للحصول على الأموال والدعم، خاصة من الولايات الأربع التي تصوت مبكرا، بجانب فلوريدا وجورجيا ونبراسكا وتكساس.
وتمثل التقليد في تثبيت المرشحين لفرق حملاتهم الانتخابية في آيوا ونيوهامبشير، أول وثانى ولايتين تصوتان في الانتخابات، وقام الرئيس الأسبق، جيمى كارتر بذلك بالفعل في آيوا وفاز بالرئاسة عام 1976، وبعد 32 عاما، كسب باراك أوباما هذه الولاية الريفية الحاسمة، ولا تزال آيوا نقطة ارتكاز سياسى في الترشيح، إلا أن المرشحين باتوا يتنقلون في أنحاء البلاد، وتعهّد المرشح جوليان كاسترو، الذي كان من أعضاء إدارة ترامب، بتنظيم حملات انتخابية في كافة الولايات ال50، وتعتبر كاليفورنيا، الولاية التي تضم أكبر عدد من المندوبين، ثانوية نظرا لتأخرها في التصويت، لكنها باتت تلعب دورا أكبر فقدمت تاريخ الانتخابات التمهيدية فيها إلى «الثلاثاء الكبير» في مارس العام المقبل مع تكساس، ولن تنتظر الولايتان قرار الولايات الأربع الأولى لتنظيم الحملات الانتخابية، وكان ساندرز بين الذين سافروا إلى كاليفورنيا وأقام تجمعات انتخابية، وتعد كاليفورنيا معقلا لليبراليين، توجه ساندرز إلى منطقة «حزام الصدأ» التي تشمل ولايات ميشيجان وويسكنسن وبنسلفانيا حيث كان قطاع الصناعة قويا، لمخاطبة الناخبين من البيض من الطبقة العاملة الذين دعموا ترامب.