يقع متحف الفنون الجميلة على مشارف حى محرم بك بمدينة الإسكندرية، على بعد خطوات من الحى اللاتينى، حيث يعد أول متحف بُنى خصيصًا للفنون الجميلة فى مصر والشرق الأوسط، فهو يضم بين جدرانه مجموعة كبيرة من أعمال الفنانين المصريين الرواد، بالإضافة إلى بعض أعمال المستشرقين وبعض أعمال الحفر والطباعة، علاوة على أجزاء من أعمال المثّال محمود مختار وعدد من المثّالين المصريين والأوروبيين. ولنشأة المتحف قصة يرويها إسلام عاصم، مدرس الإرشاد السياحى والتاريخ الحديث، بدأت عام 1904، عندما قبِلت بلدية الإسكندرية مجموعة اللوحات التى أهداها أحد محبى الفنون الجميلة وهو الألمانى «إدوارد فريد هايم» مكونة من 217 عملًا فنيًا لأكبر الفنانين الأجانب، وقد اشترط «فريد هايم» على البلدية إنشاء مكان لعرض الأعمال وإلّا عادت لموطنها الأصلى «ألمانيا» للعرض فى متحف «دوسلدورف»، وتبرع ب500 جنيه من الذهب لصالح أعماء الإنشاءات. ويضيف «عاصم» أن المتحف يضم تحفة فنية نادرة لا تقدر بثمن، وهى عبارة عن نموذج مصغر من تمثال محمد على الشهير للفنان الفرنسى «جاكو مار»، وهذا أول تمثال يوضع فى ميدان عام «المنشية» ببلد مسلم، وذلك عام 1872. وبعد 31 عامًا، وتحديدًا فى 1935، أهدى سكندرى آخر وهو «البارون دى منشا» ڤيلّا بحى مُحرم بك، لتكون مكتبة ومتحفاً للأعمال الفنيّة، وبالفعل تم البدء فى تنظيم مجموعات الأعمال الفنيّة لعرضها، إلّا أن الحرب العالمية الثانية سرعان ما أصابت المبنى بإصابات مباشرة فاضطرت البلدية إلى تخزين الأعمال ورصدت اعتمادات كبيرة لتحويل الڤيلّا إلى متحف كبير يليق بفنون الإسكندرية. وفى 1949، تم تكليف فؤاد عبدالمجيد، المهندس المعمارى، من قِبل حسين صبحى، مدير عام بلدية الإسكندرية آنذاك، ببناء متحف الفنون الجميلة، وقد بنُى علىٰ أحدث طراز، وتضمن العديد من صالات العرض ومكتبة فنيّة ومركزا ثقافيا خُصص لإقامة الحفلات الموسيقية وتقديم الندوات الثقافية والعروض السينمائية. وفى 26 يوليو 1954، افتتحه مجلس قيادة الثورة، تزامنًا مع الاحتفال الثانى بثورة يوليو، وبعدها بعام تحديدًا افتتح الرئيس جمال عبدالناصر الدورة الأولى لبينالى الإسكندرية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو البينالى الأقدم على مستوى العالم بعد «بينالى ڤينيسيا»، والذى احتضنه المتحف منذ ذلك الحين وحتى الآن. وتمت إعادة افتتاح المتحف مرّة أخرى بعد تطويره فى يناير 2013، وأضيف له مبنى للورش والاستضافات الفنيّة بالحديقة الخلفية ومتحف للخط العربى يحوى أعمال الخطاط محمد إبراهيم، وكذلك خُصصت قاعة من قاعاته للعروض المتغيرة وأُطلق عليها اسم الفنان السكندرى «حامد عويس». و«الفنون الجميلة» يحوى العديد من المقتنيات لمستشرقين وفنانين مصريين وعرب، منهم محمود مختار ومحمد محمود خليل، فضلًا عن مجموعة «إدوارد فريد هايم» الألمانى اليهودى مُقتنى الأعمال الذى أهدى ثروته للمتحف، وكان عددها 210 أعمال فنية، ويشمل «مكتبة البلدية» المُلحقة التى تضم عددًا من المخطوطات، أشهرها نسخة أصلية من كتاب (وصف مصر)، أمّا المخازن المُلحقة فبها صور ولوحات فوتوغرافية للرحالة الذين زاروا مصر من القرن السابع عشر وحتى العشرين.
